والظاهر أن يكون ما أنشده أبو زيد لم يصل إلى الأصمعىّ [لا] من متبع فيه ابن أحمر ، ولا غير متبع. [وجاء فى شعر أميّة الثّغرور ، ولم يأت به غيره].
والقول فى هذه الكلم المقدّم ذكرها وجوب قبولها. وذلك لما ثبتت به الشهادة من فصاحة ابن أحمر. فإمّا أن يكون شيئا أخذه عمّن ينطق بلغة قديمة لم يشارك فى سماع ذلك منه ، على حدّ ما قلناه فيمن خالف الجماعة وهو فصيح ؛ كقوله فى الذرحرح : الذرّحرح ، ونحو ذلك ، وإما أن يكون شيئا ارتجله ابن أحمر ؛ فإن الأعرابىّ إذا قويت فصاحته ، وسمت طبيعته تصرّف وارتجل ما لم يسبقه أحد قبله به ؛ فقد حكى عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظا لم يسمعاها ولا سبقا إليها.
وعلى نحو من هذا قال أبو عثمان : ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب. وقد تقدم نحو ذلك. وفى هذا الضرب غار أبو على فى إجازته أن تبنى اسما وفعلا وصفة ونحو ذلك من ضرب فتقول : ضربب زيد عمرا ، وهذا رجل ضربب وضرنبى ، ومررت برجل خرجج ، وهذا رجل خرجج ودخلخل ، وخرجج أفضل من ضربب ونحو ذلك. وقد سبق القول على مراجعتى إيّاه فى هذا المعنى ، وقولى له : أفترتجل اللغة ارتجالا؟ وما كان من جوابه فى ذلك.
وكذلك إن جاء نحو هذا الذى رويناه عن ابن أحمر عن فصيح آخر غيره كانت حاله فيه حاله. لكن لو جاء شيء من ذلك عن ظنين أو متّهم أو من لم ترق به فصاحته ، ولا سبقت إلى الأنفس ثقته كان مردودا غير متقبّل.
فإن ورد عن بعضهم شيء يدفعه كلام العرب ويأباه القياس على كلامها فإنه لا يقنع فى قبوله أن تسمعه من الواحد ولا من العدّة القليلة ، إلا أن يكثر من ينطق به منهم. فإن كثر قائلوه إلا أنه مع هذا ضعيف الوجه فى القياس فإن ذلك مجازه وجهان : أحدهما أن يكون من نطق به لم يحكم قياسه على لغة آبائهم ، وإمّا أن تكون أنت قصّرت عن استدراك وجه صحّته. ولا أدفع أيضا مع هذا أن يسمع الفصيح لغة غيره مما ليس فصيحا ، وقد طالت عليه وكثر لها استماعه فسرت فى كلامه ، ثم تسمعها أنت منه ، وقد قويت عندك فى كل شيء من كلامه غيرها فصاحته ، فيستهويك ذلك إلى أن تقبلها منه ، على فساد أصلها الذى وصل إليه