حاضر مشاهد. فعلى ذلك يكونون قدّموا بناء نحو كم ، وكيف ، وحيث ، وقبل ، وبعد ، علما بأنهم سيستكثرون فيما بعد منها ، فيجب لذلك تغييرها.
فإن قلت : هلا ذهبت إلى أن الأسماء أسبق رتبة من الأفعال فى الزمان ، كما أنها أسبق رتبة منها فى الاعتقاد ، واستدللت على ذلك بأن الحكمة قادت إليه ؛ إذ كان الواجب أن يبدءوا بالأسماء ؛ لأنها عبارات عن الأشياء ، ثم يأتوا بعدها بالأفعال التى بها تدخل الأسماء فى المعانى والأحوال ، ثم جاءوا فيما بعد بالحروف ؛ لأنك تراها لواحق بالجمل بعد تركبها ، واستقلالها بأنفسها ؛ نحو إن زيدا أخوك ، وليت عمرا عندك ، وبحسبك أن تكون كذا؟ قيل يمنع من هذا أشياء : منها وجودك أسماء مشتقّة من الأفعال ؛ نحو قائم من قام ، ومنطلق من انطلق ؛ ألا تراه يصحّ لصحّته ، ويعتلّ لاعتلاله ؛ نحو ضرب فهو ضارب ، وقام فهو قائم ، (وناوم فهو مناوم). فإذا رأيت بعض الأسماء مشتقّا من الفعل فكيف يجوز أن يعتقد سبق الاسم للفعل فى الزمان ، وقد رأيت الاسم مشتقّا منه ورتبة المشتقّ منه أن يكون أسبق من المشتقّ نفسه. وأيضا فإن المصدر مشتقّ من الجوهر ؛ كالنبات من النبت ، وكالاستحجار من الحجر ، وكلاهما اسم. وأيضا فإن المضارع يعتلّ لاعتلال الماضى ، وإن كان أكثر الناس على أن المضارع أسبق من الماضى.
وأيضا فإن كثيرا من الأفعال مشتقّ من الحروف ؛ نحو قولهم : سألتك حاجة فلوليت لى ، أى قلت لى : لو لا ، وسألتك حاجة فلا ليت لى ، أى قلت لى : لا.
واشتقّوا أيضا المصدر ـ وهو اسم ـ من الحرف ، فقالوا : اللالاة واللولاة ، وإن كان الحرف متأخّرا فى الرتبة عن الأصلين قبله : الاسم والفعل. وكذلك قالوا :
سوّفت الرجل ، أى قلت له : سوف ، وهذا فعل ـ كما ترى ـ مأخوذ من الحرف.
ومن أبيات الكتاب :
لو ساوفتنا بسوف من تحيّتها |
|
سوف العيوف لراح الركب قد قنع (١) |
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لابن مقبل فى ديوانه ص ١٧٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٨٤ ، ولسان العرب (سوف) ، والكتاب ٤ / ٢١٢ ، والمحتسب ١ / ٢٩٨. ساوفتنا : واعدتنا بسوف أفعل. العيوف : الكاره والكارهة ، يقول : لو وعدتنا بتحية فى المستقبل لقنعنا.