انتصب (سوف العيوف) على المصدر المحذوف الزيادة ، أى مساوفة العيوف.
وأنا أرى أن جميع تصرف (ن ع م) إنما هو من قولنا فى الجواب : نعم. من ذلك النّعمة والنّعمة ، والنعيم والتنعيم ، ونعمت به بالا ، وتنعّم القوم ، والنّعمى ، والنعماء ، وأنعمت به له ؛ وكذلك البقيّة. وذلك أن (نعم) أشرف الجوابين وأسرّهما للنفس ، وأجلبهما للحمد ، و (لا) بضدّها ؛ ألا ترى إلى قوله :
وإذا قلت نعم فاصبر لها |
|
بنجاح الوعد ؛ إنّ الخلف ذم (١) |
وقال الآخر ـ أنشدناه أبو على ـ :
أبى جوده لا البخل واستعجلت به |
|
نعم من فتى لا يمنع الجوع قاتله (٢) |
يروى بنصب (البخل) وجرّه. فمن نصبه فعلى ضربين : أحدهما أن يكون بدلا من (لا) ؛ لأن (لا) موضوعة للبخل ، فكأنه قال : أبى جوده البخل ؛ والآخر أن تكون (لا) زائدة ، حتى كأنه قال أبى جوده البخل ، لا على البدل ، لكن على زيادة (لا). والوجه هو الأوّل ؛ لأنه قد ذكر بعدها نعم ، ونعم لا تزاد ، فكذلك ينبغى أن تكون (لا) هاهنا غير زائدة والوجه الآخر على الزيادة صحيح أيضا ؛ لجرى ذكر (لا) فى مقابلة نعم. وإذا جاز لـ (لا) أن تعمل وهى زائدة فيما أنشده أبو الحسن من قوله :
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها |
|
إلىّ لامت ذوو أحسابها عمرا (٣) |
كان الاكتفاء بلفظها من غير عمل له أولى بالجواز.
ومن جرّه فقال (لا البخل) فبإضافة (لا) إليه ؛ لأن (لا) كما تكون للبخل قد
__________________
(١) البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم) ، وتاج العروس (نعم).
(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم) ، وتاج العروس (لا). والذى فى مغنى اللبيب : لا يمنع الجود قاتله ، وقوله لا يمنع الجود ، فاعل يمنع عائد على الممدوح : والجود مفعول ثان ، وقاتله مفعول أول ، ويحتمل أن الجود فاعل يمنع ، أى جوده لا يحرم قاتله أى فإذا أراد إنسان قتله فجوده لا يحرم ذلك الشخص. انظر حاشية الدسوقى على مغنى اللبيب.
(٣) البيت من البسيط ، وهو للفرزدق فى ديوانه ١ / ٢٣٠ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٠ ، ٣٢ ، ٥٠ ، والدرر ٢ / ٢٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٣٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٢٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٣ ، ولسان العرب (غطف) ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٧.