تكون للجود أيضا ؛ ألا ترى أنه لو قال لك إنسان : لا تطعم الناس ، ولا تقر الضيف ، ولا تتحمّل المكارم ، فقلت أنت : (لا) لكانت هذه اللفظة هنا للجود لا للبخل ، فلمّا كانت (لا) قد تصلح للأمرين جميعا أضيفت إلى البخل ؛ لما فى ذلك من التخصيص الفاصل بين المعنيين الضدّين.
فإن قلت : فكيف تضيفها وهى مبنيّة؟ ألا تراها على حرفين الثانى حرف لين ، وهذا أدلّ شيء على البناء ، قيل : الإضافة لا تنافى البناء ، بل لو جعلها جاعل سببا له لكان (أعذر من) أن يجعلها نافية له ؛ ألا ترى أن المضاف بعض الاسم ، وبعض الاسم صوت ، والصوت واجب بناؤه. فهذا من طريق القياس ؛ وأمّا من طريق السماع فلأنهم قد قالوا : كم رجل [قد] رأيت ، فكم مبنيّة وهى مضافة.
وقالوا أيضا : لأضربنّ أيّهم أفضل ، وهى مبنيّة عند سيبويه. فهذا شيء عرض قلنا فيه.
ثم لنعد إلى ما كنا عليه من أن جميع باب (ن ع م) إنما هو مأخوذ من (نعم) لما فيها من المحبّة للشيء والسرور به. فنعمت الرجل ، أى قلت له (نعم) فنعم بذلك بالا ، كما قالوا : بجلّته أى قلت له (بجل) أى حسبك حيث انتهيت ، فلا غاية من بعدك ، ثم اشتقّوا منه الشيخ البجال ، والرجل البجيل. فنعم ، وبجل كما ترى حرفان ، وقد اشتقّ منهما أحرف كثيرة.
فإن قلت : فهلّا كان نعم وبجل مشتقّين من النّعمة والنعيم ، والبجال والبجيل ونحو ذلك دون أن يكون كل ذلك مشتقّا منهما؟ قيل : الحروف يشتقّ منها ولا تشتقّ هى أبدا. وذلك أنها لمّا جمدت فلم تتصرّف شابهت بذلك أصول الكلام الأول التى لا تكون مشتقّة (من شيء) (لأنه ليس قبلها ما تكون فرعا له ومشتقّة منه) يؤكّد ذلك عندك قولهم : سألتك حاجة فلوليت لى ، أى قلت لى (لو لا) فاشتقّوا الفعل من الحرف المركب من (لو) و (لا) فلا يخلو هذا أن يكون (لو) هو الأصل ، أو (لو لا) لا يجوز أن يكون (لو لا) ، لأنه لو كان (لو لا) هو الأصل كان (لو) محذوفا منه ؛ والأفعال لا تحذف ؛ إنما تحذف الأسماء نحو يد ، ودم ، وأخ ، وأب ، وما جرى مجراه ، وليس الفعل كذلك. فأمّا خذ ، وكل ومر ، فلا يعتدّ ، إن شئت لقلته ، وإن شئت لأنه حذف تخفيفا فى موضع وهو ثابت فى تصريف