وقال الأصمعىّ : إذا استوت أخلاق القوم قيل : هم على سرجوجة واحدة ، ومرن واحد ، (ومنهم من يقول : سرجيجة وهى فعليلة من هذا) ، فسرجوجة : فعلولة ، من لفظ السرج ومعناه. والتقاؤهما أن السرج إنما أريد للراكب ليعدّله ، ويزيل اعتلاله وميله. فهو من تقويم الأمر. وكذلك إذا استبوا على ووتيرة واحدة فقد تشابهت أحوالهم ، وزاح خلافهم ، وهذا أيضا ضرب من التقرير والتقدير ؛ فهو بالمعنى عائد إلى النحيتة ، والسجيّة ، والخليقة ؛ لأن هذه كلّها صفات تؤذن بالمشابهة والمقاربة. والمرن مصدر كالحلف والكذب. والفعل منه مرن على الشىء إذا ألفه ، فلان له. وهو عندى من مارن الأنف لما لان منه. فهو أيضا عائد إلى أصل الباب ؛ ألا ترى أن الخليقة ، والنحيتة ، والطبيعة ، والسجيّة ، وجميع هذه المعانى التى تقدّمت ، تؤذن بالإلف والملاينة ، والإصحاب والمتابعة.
ومنها (السليقة) وهى من قولهم : فلان يقرأ بالسليقيّة أى بالطبيعة. وتلخيص ذلك أنها كالنحيتة. وذلك أن السليق ما تحاتّ من صغار الشجر ؛ قال :
تسمع منها فى السليق الأشهب |
|
معمعة مثل الأباء الملهب (١) |
وذلك أنه إذا تحاتّ لان وزالت شدّته. والحتّ كالنحت ، وهما فى غاية القرب. ومنه قول الله سبحانه (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) [الأحزاب : ١٩] أى نالوا منكم. وهذا هو نفس المعنى فى الشىء المنحوت المحتوت ؛ ألا تراهم يقولون : فلان كريم النّجار والنجر ؛ أى الأصل. والنجر ، والنحت ، والحتّ ، والضرب ، والدقّ ، والنحز ، والطبع ، والخلق ، والغرز ، والسلق ، كله التمرين على الشىء ، وتليين القوىّ ليصحب وينجذب.
فاعجب للطف صنع البارى سبحانه فى أن طبع الناس على هذا ، وأمكنهم من ترتيبه وتنزيله ، وهداهم للتواضع عليه وتقريره.
ومن ذلك قولهم للقطعة من المسك : (الصوار) قال الأعشى :
__________________
(١) الرجز لجندب بن مرثد فى تاج العروس (سلق) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (لهب) ، (سلق) ، وجمهرة اللغة ص ٢٩١ ، ٨٥٠ ، ومقاييس اللغة ٣ / ٩٦ ، ومجمل اللغة ٣ / ٨٧ ، والاشتقاق ص ٤٧٧.