المديح والهجاء. ومعنى ذلك أننا نستطيع أن نربط بين فتنة الأعشى بأصوات اللين فى أبياته وقوافيه ، وبين معانى أشعاره ، ومثل هذا الربط ضرورى ، وتفسير ذلك : إن صدق ما نذهب إليه أنه كان يريد توكيد هذه المعانى وتثبيتها. وكانت هذه الأصوات التى تحققها حروف اللين ، والتى كان يشيعها فى أبيات قصائده ويلحقها بقوافيه تتيح له مثل هذا التوكيد عن طريق التمهل ، أو قل عن طريق هذا البطء الموسيقى الذى يميز قصائده تلك (١).
ويتضح من هذا الكلام أن د / إبراهيم يربط بين الدلالة الصوتية للمد فى شعر الأعشى وبين أغراضه ومعانيه التى وظف لها تلك السمة الصوتية.
ونكاد نلمح توافقا عاما بين هذين الغرضين (المديح والهجاء) مع ظاهرة المد الصوتى لتلك القوافى المعبرة عن هذين الغرضين ، ويرجع ذلك فى رأينا إلى ما يقتضيه هذان الغرضان من الحاجة إلى تقرير المعانى وبسطها والإطناب فيها.
كما يقف د / إبراهيم وقفة أخرى ليقرر حرص الشاعر على الملاءمة بين موسيقى القصيدة معانيها ، أو قل حرصه على الملاءمة بين الصخب والضجيج والبحث الدائب عن المتعة أو الجرى وراءها ، تلك التى كان لا يريد أن يفوته شيء منها وبين موسيقى قصيدته ، فعلى الرغم من أن الأعشى أخذ ينثر فيها أصوات المد نثرا ، فإنه قد استطاع تقصير هذه الأصوات الطويلة ، والملاءمة بينها وبين الجو النفسى الذى أخذ يذيعه فى القصيدة جميعا ، جو اللهفة والمتعة ، وإذا رحنا نبحث عن الوسائل التى استغلها لتقصير هذه الأصوات ألفيناها تتركز فى حرص الشاعر على ألا يمد روى قوافيه كما اعتاد أن يفعل فى قصائده الأخرى حتى لا يعطى لقارئ هذا الشعر فرصة التمهل عند القافية قبل أن يستأنف قراءة البيت التالى (٢).
والحق أن أمثال هذه الإشارات اللطيفة إلى ظاهرة التكرار الصوتى وما لها من قيمة فنية قد لفتتنا إلى ضرورة الوقوف أمام هذه الظاهرة وقفة متأنية ، فأفردناها بالدراسة ضمن بحث لنا عن ظاهرة التكرار ، نظرا لاستحقاق تلك الظاهرة لإفرادها بالبحث ، وخشية من عدم إيفائها حقها من الدراسة فى هذا البحث تجنبا للإطالة.
__________________
(١) قضايا الشعر ص ٨٣ ـ ٨٤.
(٢) قضايا الشعر ص ٩٤.