هذا بالنسبة لظاهرة التكرار الصوتى ، أما بالنسبة لظاهرة الاختيار الصوتى التى أوردنا هنا بعض نماذجها ، فيمكننا أن نقسمها باعتبار النظر إلى السمات الصوتية المختارة أو المنظور إلى توظيفها الفنى.
عرضنا فيما سبق فى ـ إطار الدلالة الصوتية ـ لبعض الأمثلة التى تنظر إلى الأسلوب بوصفه اختيارا ، أو بوصفه تكرارا ، ولكننا لا نكاد نجد فى هذه الدراسات ما ينظر إلى أسلوبية الأصوات باعتبارها عدولا أو انحرافا عن قاعدة ما.
وإذا ارتضينا اعتبار شيوع الظاهرة فى نص ما هو القاعدة التى يتم العدول عنها (١) ؛ فإننا نستطيع أن نقرر أنه قد تم العدول الصوتى عن القاعدة الصوتية الشائعة فى القرآن الكريم ـ على سبيل المثال ـ فى عدد من المواضع لأغراض فنية ، نحاول الكشف عنها فى بعض ما نعرض من الأمثلة.
فمن المواضع العجيبة التى تمثل عدولا صوتيا عن السياق القرآنى لفظ (مجراها) بإمالة الألف لتكون قريبة من نطقها من الياء ، وذلك فى قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود : ٤١].
حيث نلاحظ أن هذه اللفظة (مجراها) هى اللفظة الوحيدة فى السياق القرآنى كله فى قراءة حفص التى تتسم بهذه السمة الصوتية (سمة الإمالة).
وحينما نتأمل سياق الآية نستشعر مدى مناسبة هذه اللفظة لجوها السياقى ؛ فالأمر بركوب السفينة هنا متجه إلى هؤلاء المؤمنين من أتباع نوح ـ عليهالسلام ـ وقد أمروا بركوب تلك السفينة الغريبة العجيبة التى لا عهد لهم بها من قبل ، وهى راسية على بر ليس فيه قطرة ماء ، ومن هنا كان التعجب من جرى هذه السفينة وكونها وسيلة للنجاة.
فطمأنهم الله تعالى إلى أن هذه السفينة سوف تجرى بمشيئته وبركته (بسم الله) وأن جريها سوف يكون سهلا رخاء بلا معاناة ولا مشقة ، ومن ثم جاءت الإمالة فى مجراها لتعبر عن حركة تلك السفينة حيث تشق عباب الطوفان فى يسر وسهولة ورخاء.
وحينما أراد الله تعالى أن يطمئنهم لرسوها ، جاء بلفظ (مرساها) بلا إمالة ليعبر عن حال رسو السفينة وما يناسبه من الثبات والاستقرار مما لا يتلاءم مع صفة الإمالة الواردة
__________________
(١) انظر الأقوال فى تحديد قاعدة العدول فى علم الأسلوب. د / صلاح فضل ص ١٨١ مؤسسة مختار للنشر والتوزيع.