فى مجراها.
ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [الفتح : ١٠].
فالملاحظ فى هذه الآية أنها هى الآية الوحيدة فى القرآن التى جاء ضمير الغائب الموصول فيها مضموما ؛ لأن القاعدة الشائعة فى مجيئه فى القرآن هى الكسر فيقال (عليه) بالكسر لا بالضم ؛ وذلك كما فى قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٣٧]. وكما فى قوله تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) [يونس : ١٢٣].
ومن ثم يمثل الضم فى هذه الكلمة عدولا عن القاعدة الصوتية القرآنية ، فيا ترى ما سر هذا العدول؟
إذا تأملنا سياق الآية وجدناها تتحدث عن مبايعة المؤمنين لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتعظيم الله تعالى تلك البيعة ووصفها بأنها مبايعة له هو سبحانه ، وإذا كانت البيعة لله رب العالمين فإن حقها التفخيم والتغليظ والتشديد والتوثيق ، ولذا جاء الضمير فى (عليه) مضموما إشعارا بذلك التفخيم ، وذلك ما لا يوحى به مجىء الضمير على أصل القاعدة مكسورا فى هذا السياق ، وأمر آخر يكشف عن القيمة الفنية لهذا العدول الصوتى ، وهو أن حركة الحرف السابق على لفظ الجلالة تؤثر فيه بالتفخيم والترقيق حسب القاعدة الصوتية لنطق هذا اللفظ فى القرآن الكريم ؛ فإذا جاءت الهاء فى (عليه) مكسورة كانت اللام من لفظ الجلالة مرققة ، أما حيث جاءت الهاء مضمومة فإن اللام من لفظ الجلالة تنطق مفخما فيتناسب تفخيم لفظ الجلالة مع ما يقتضيه السياق من تعظيم المعاهد ، وتفخيم شأنه ، والتحذير من نكث العهد معه.
ومن مظاهر العدول الصوتى فى القرآن الكريم كذلك ، ذلك العدول بفك الإدغام فى لفظة (يحببكم) فى قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران : ٣١] فالقاعدة الصوتية هنا هى الإدغام كما فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) [المائدة : ٥٤].