قد كنت تأمننى والجدب دونكم |
|
فكيف أنت إذا رقش الجراد نزا (١) |
ومثله أيضا ما رويناه عنه [عنه] أيضا ، من قول الآخر :
قوم إذا اخضرّت نعالهم |
|
يتناهقون تناهق الحمر (٢) |
قالوا فى تفسيره : إن النعال جمع نعل وهى الحرّة ، أى إذا اخضرّت الأرض بطروا ، وأشروا ، فنزا بعضهم على بعض.
وبنحو من هذا فسر أيضا قول النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «إذا ابتلّت النعال فالصلاة فى الرحال» (٣) أى إذا ابتلت الحرار. ومن هذا اللفظ والمعنى ما حكاه أبو زيد من قولهم : «المعزى تبهى ولا تبنى». فـ «تبهى» تفعل من البهو ، أى تتقافز على البيوت من الصوف ، فتخرقها فتتسع الفواصل من الشعر ، فيتباعد ما بينها ، حتى يكون فى سعة البهو. «ولا تبنى» ، أى لا ثلّة لها وهى الصوف ، فهى لا يجزّ منها الصوف ، ثم ينسجونه ، ثم يبنون منه بيتا. هكذا فسّره أبو زيد.
قال : ويقال أبنيت الرجل بيتا ، إذا أعطيته ما يبنى منه بيتا.
ومن هذا قولهم : قد بنى فلان بأهله (٤) ؛ وذلك أن الرجل كان إذا أراد الدخول
__________________
(١) قوله : «نزا» كان ينبغى تأنيث الفعل فيقول : نزت ، ولكنه نظر إلى المضاف إليه وهو الجراد ، ونزو الجراد كناية عن الخصب وكثرة المزدرع. (نجار).
(٢) انظر المخصص ص ١٧٩ ج ١ وفيه بعد البيت : «واخضرار النعل من اخضرار الأرض». وفى هذا ميل إلى أن النعل : ما يلبس فى الرجل ، والكلام كناية عن الخصب (نجار). قلت : فالنعل على هذا مجاز مرسل علاقته المحلية من حيث كون الأرض محلا للنعال.
(٣) ذكره الحافظ فى «التلخيص» ، (٢ / ٣١) ، وقال : «لم أره بهذا اللفظ ... وذكره ابن الأثير فى «النهاية» كذلك ، وقال الشيخ تاج الدين الفزارى فى الإقليد : «لم أجده فى الأصول ، وإنما ذكره «أهل العربية ...».
(٤) أى هو على المجاز كقولهم (اخضرت النّعال) والمقصود اخضرت الأرض الموطوءة بالنعال ، فهو مجاز مرسل علاقته المحلية ، وكذلك فى قولهم (بنى بأهله) والأصل بناء بيت أهله ، ولكن لما كان الأهل هم حالّو البيت والمقيمون به علّق البناء بهم علاقة المجاز المحلية. واعلم أن ذلك كله من المجاز الذى تنوسى بشيوع استعماله حتى أشبه الحقيقة ولحق بها ، وذلك لفقده شرط المجاز ، وهو الغرابة والإثارة. فتأمل ؛ إذ لا يستشعر القارئ غرابة ولا جمالا فنيا فى نحو ما ذكرنا آنفا. وهذا مما يخطئ فيه كثير من الدارسين الذين يطبقون قواعد البلاغة بلا نظر ولا تذوق.