وحينئذ يكون في غاية الطباق ، لكلام الكفرة. هذا إذا لم يكن «ما» الأولى ، استفهامية. فإذا كانت هي ـ أيضا ـ استفهامية ، يكون ترقيا على ترقّ.
والمعنى : ان لله التمثيل ، بأحقر شيء ، فأي شيء البعوضة ، حتى لا يمثل بها. وبعد ذلك ، أي شيء ما فوق البعوضة ، كالذباب والعنكبوت ، حتى لا يمثل به.
ومعنى «ما فوقها» ، أي : في الكبر. وهو أوفق لكلام الكفرة. أو في الصغر.
وهو أشد مبالغة في ردهم. وما فوق في الصغر ، هو جناحها. كما ضربه ـ عليه السلام ـ مثلا للدنيا ، روى عن الترمذي (١) ، عن سهل (٢) بن سعد ، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى «منها كافرا» (٣) شربة ماء.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ) :
«أما» ، بفتح الهمزة وتشديد الميم ، في جميع اللغات. الا عند بني تميم.
فإنهم يقولون «أيما» ، حرف تفصيل ، كإمّا ـ بكسر الهمزة ـ مطلقا ـ عند المبرد.
و «أما» الأولى عند غير المبرد ، يفيد تفصيل مجمل متعدد سابق في الذكر ـ صريحا ـ. كقولك : جاءني القوم. أما العلماء فكذا. وأما الجهلاء فكذا. أو في الذهن ، من غير سبق ، ما يدل عليه ، بوجه ما. كقولهم في صدور (٤) الكتب : أما بعد. أو مع سبقه. كما نحن فيه من الاية. لأن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) دل على أن ثمة من يداخله شبهة على ما مر ويخطر منه بالبال ، مقابله. فيحصل في الذهن ، متعدد ، يفصله أما. ويتضمن معنى الشرط. ولذلك يجاب بالفاء.
__________________
(١) سنن الترمذي ٣ / ٣٨٣ ، ح ٢٤٢٢.
(٢) المصدر : مسهر.
(٣) المصدر : كافرا منها.
(٤) أ : صدر.