الْمُفْسِدِينَ)
لقد سبق الحديث عن أن الأمم في بداية انطلاقها تهتم بالبناء والانتاج والإصلاح ، أما بعدئذ فانها تقوم بالاستهلاك والهدم والفساد ، وعندها كان الرسل (عليهم السلام) يحذرون الناس من الفساد ، فأوصى موسى أخاه بهذه الوصية عند ما تخلص بنو إسرائيل من الطاغوت ، وخفّ عندهم شعورهم الثوري السابق.
ويتبين من الآية كما من سائر الآيات : أن قوم موسى (عليه السلام) كانوا فريقين ، مصلحين ومفسدين ، وكانت تجربة غياب قائدهم ومنقذهم كافية لفرز هذين الفريقين ، وبالتالي تزكية المجتمع عن طريق تصفية فريق المفسدين.
من أين تبدأ الثورة الثقافية؟
[١٤٣] لا يزال بنو إسرائيل تلك الطائفة التي عاشت فترة طويلة في ظل الطاغوت ، وتعرضت لعمليات غسل الدماغ من قبل السلطة الظالمة ، لا تزال هذه الطائفة تحمل رواسب الماضي بعد تحررها ، ولا بدّ من تفجير ثورة ثقافية فيها ، ولكن من أين تبدأ هذه الثورة؟
الثورة تبدأ من إصلاح جذر مشكلة الثقافة عند البشر ، حيث إن الإنسان يحن نحو الماديات الظاهرة ، وينسى المعنويات ، ويغفل عن الغيب ، يغفل عن غيب القيم ، وعن قدرة الله وحكمته ورحمته ، يغفل عن المستقبل وما فيه من امكانيات ، ويلتجئ الى الظواهر في الحاضر ، الى ما يشاهده من قوة السلطة الجبارة ، وما يراه من امكاناته الحالية ، فيخضع لها ، ويستسلم لاتجاهها.
ورسالات السماء توجه الناس الى الله ، الى غيب الغيوب ، الى ملهم القيم ومالك المستقبل ، الى مبعث الأمل المشرق ، وإذا تعلق الإنسان بالله (الغيب) فانه