الأئمة المهديين ، وسلّم تسليما. أمّا بعد ، فالحمد لله المنفرد بالثّبات والدوام الباقي على تصرّم الليالي والأيّام ، القاضي على أعمار خلقه بالتقصّي والانصرام ، الجاعل نقض الأمور معقودا بكمال الإتمام ، جاعل الموت حكما يستوي فيه جميع الأنام ، ومنهلا لا يعتصم من ورده كرامة نبيّ ولا إمام ، والقائل معزيّا لنبيّه ولكافة أمته : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٧] ، الذي استرعى الأئمة هذه الأمّة ، ولم تخل الأرض من أنوارهم لطفا بعباده ونعمة ، وجعلهم مصابيح الشّبه إذا غدت داجية مدلهمّة ، لتضيء للمؤمنين سبل الهداية ، ولا يكون أمرهم عليهم غمّة يحمده أمير المؤمنين حمد شاكر على ما نقله فيه من درج الإنافة ، ونقله إليه من ميراث الخلافة ، صابر على الرّزيّة التي أطار هجومها الباب ، والفجيعة التي أطال طروقها الأسف والاكتئاب ، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد خاتم أنبيائه وسيّد رسله وأمنائه ، ومجلي غياهيب الكفر ومكشف عمائه ، الذي قام بما استودعه الله من أمانته ، وحمّله من أعباء رسالته ، ولم يزل هاديا إلى الإيمان ، داعيا إلى الرحمن ؛ حتّى أذعن المعاندون وأقرّ الجاحدون. وجاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ؛ فحينئذ أنزل الله عليه إتماما لحكمته التي لا يعترضها المعترضون : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون : ١٥ ـ ١٦] صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، الذي أكرمه الله بالمنزلة العليّة ، وانتخبه للإمامة رأفة بالبريّة ، وخصّه بغوامض علم التنزيل ، وجعل له مبرّة التعظيم ومزيّة التفضيل ، وقطع بسيفه دابر من زلّ عن القصد ، وضلّ عن سواء السبيل ، وعلى الأئمة من ذريتهما العترة الهادية من سلالتهما آبائنا الأبرار المصطفين الأخيار ، ما تصرّفت الأقدار ، وتوالى الليل والنهار.
وإنّ الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين قدّس الله روحه ، كان ممّن أكرمه الله بالاصطفاء ، وخصّه بشرف الاجتباء ، وخصّه بشرف الاجتباء ، ومكّن له في بلاده ، فامتدّت أفياء عدله ، واستخلفه في أرضه ، كما استخلف أباه من قبله ، وأيّده بما استرعاه إيّاه بهدايته وإرشاده ، وأمدّه بما استحفظه عليه بموادّ توفيقه وإسعاده ، ذلك هدي الله يهدي به من يشاء من عباده. فلم يزل لأعلام الدين رافعا ، ولشبه المضلّين دافعا ، ولراية العدل ناشرا ، وبالندى غامرا وللعدوّ قاهرا. إلى أن استوفى المدّة المحسوبة ، وبلغ الغاية الموهوبة ؛ فلو كانت الفضائل تزيد في الأعمار ، أو تحمي من ضروب الأقدار ، أو تؤخّر ما سبق تقديمه في علم الواحد القهّار ، لحمى نفسه النفيسة كريم مجدها وشريف سمتها ، وكفاها خطير منصبها ، وعظيم هيبتها ، ووقتها أفعالها التي تستقي من منبع الرسالة ، وصانتها خلالها الّتي ترتقي إلى مطلع الجلالة ؛ لكنّ الأعمار محرّرة مقسومة ، والآجال مقدّرة معلومة ، والله تعالى يقول ، وبقوله يهتدي المهتدون : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ