وأخرج الخطيب البغداديّ في تالي التلخيص من طريق عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، قال : تخرج الدابّة من جبل أجياد (١) في أيام التشريق والنّاس بمنّى ، قال : فلذلك جاء سابق الحاجّ يخبر بسلامة الناس.
ذكر حمائم الرسائل
قال ابن كثير في تاريخه : في سنة سبع وستّين وخمسمائة اتّخذ السلطان نور الدين الشهيد الحمام الهوادي (٢) ، وذلك لامتداد مملكته ، واتساعها ، فإنها من حدّ النّوبة إلى همذان ، فلذلك اتّخذ قلعة ، وحبس الحمام الّتي تسري الآفاق في أسرع مدّة ، وأيسر عدّة ، وما أحسن ما قال فيهنّ القاضي الفاضل : الحمام ملائكة الملوك. وقد أطنب في ذلك العماد الكاتب وأظرف وأطرب ، وأعجب وأغرب.
وفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ، اعتنى الخليفة الناصر لدين الله بحمام البطاقة اعتناء زائدا ، حتّى صار يكتب بأنساب الطير المحضر أنّه من ولد الطير الفلانيّ. وقيل : إنّه بيع بألف دينار.
وقد ألّف القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في أمور هذه الحمام كتابا سمّاه «تمائم الحمائم» ، وذكر فيه فصلا فيما ينبغي أن يفعله المنطق وما جرت العادة به في ذلك فقال :
كان الجاري به العادة أنّها لا تحمل البطاقة إلا في جناحها ، لأمور منها : حفظها من المطر ولقوّة الجناح ؛ والواجب أنّه إذا انطلق من مصر لا يطلق إلّا من أمكنة معلومة ، فإذا سرّحت إلى الإسكندريّة ، فلا تسرّح إلا من منية عقبة بالجيزة ، وإلى الشرقيّة ، فمن مسجد التين ظاهر القاهرة ، وإلى دمياط فمن بيسوس بشطّ بحر منجى. والذي استقرّت قواعد الملك عليه أنّ طائر البطاقة لا يلهو الملك عنه ولا يغفل ، ولا يمهل لحظة واحدة ، فتفوت مهمات لا تستدرك ، إمّا من واصل وإمّا من هارب ، وإمّا من متجدّد في الثغور. ولا يضع البطاقة من الحمام إلا السلطان بيده من غير واسطة
__________________
(١) في معجم البلدان : جبل أجياد ، أجياد موضع بمكّة يلي الصفا ، وفي الروض المعطار : ١٢ : أحد جبال مكّة وهو الجبل الأخضر غربي المسجد الحرام.
(٢) في الكامل لابن الأثير : ٩ / ١١٤ : في هذه السنة ـ ٥٦٧ ه ـ اتخذ نور الدين بالشام الحمام الهوادي ، وهي التي يقال لها المناسيب ، وهي تطير من البلاد البعيدة إلى أوكارها ، وجعلها في جميع بلاده ...