وبرز العادل إلى بلبيس قاصدا للقتال ، فاختلفت عليه الأمراء ، فقيّدوه واعتقلوه ، وأرسلوا إلى الصالح أيّوب فوصل إليهم ، فملّكوه ، وذلك في صفر (١) سنة سبع وثلاثين. فأقام في الملك عشر سنين إلّا أربعة أشهر. وكان مهيبا جدّا ، دبر المملكة على أحسن وجه ، وبنى المدارس الأربعة بين القصرين ، وعمّر قلعة بالروضة ، واشترى ألف مملوك وأسكنهم بها ، وسمّاهم البحريّة ، وهو الذي أكثر من شراء الترك وعتقهم وتأميرهم ، ولم يكن ذلك قبله ، فقام الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام القومة الكبرى في بيع أولئك الأمراء ، وصرف ثمنهم في مصالح المسلمين ، وقال بعض الشعراء :
الصالح المرتضى أيّوب أكثر من |
|
ترك بدولته ، يا شرّ مجلوب! |
قد آخذ الله أيّوبا بفعلته |
|
فالنّاس كلّهم في ضرّ أيّوب |
ولما تولّى الخليفة المستعصم أنفذ الصالح إليه رسوله ، يطلب تقليدا بمصر والشام ، فجاءه التشريف والطّوق الذهب والمركوب ، فلبس التشريف الأسود والعمامة والجبّة ، وركب الفرس ، وكان يوما مشهودا.
[هجوم الفرنج ووفاة الملك الصالح]
فلما كان سنة سبع وأربعين ، هجمت الفرنج على دمياط ، فهرب من كان فيها ، واستحوذوا عليها ، والملك الصالح مقيم بالمنصورة لقتالهم ، فأدركه أجله ومرض ومات بها ليلة النصف من شعبان ، فأخفت جاريته شجرة الدرّ موته ، وبقيت تعلم بعلامته سواه ، وأعلمت أعيان الأمراء ، فأرسلوا إلى ابنه الملك المعظّم توران شاه وهو بحصن كيفا ، فقدم في ذي القعدة (٢) ، وملّكوه ، فركب في عصائب الملك ، وقاتل الفرنج وكسرهم ، وقتل منهم ثلاثين ألفا ، ولله الحمد.
وكان في عسكر المسلمين الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام ، وكانت النّصرة أوّلا للفرنج ، وقويت الرّيح على المسلمين ، فقال الشيخ عزّ الدين بأعلى صوته مشيرا بيده إلى الريح : يا ريح خذيهم ، عدّة مرار ، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها ، وكان الفتح ، وغرق أكثر الفرنج ، وصرخ من المسلمين صارخ : الحمد لله الذي أرانا في أمة محمّد صلىاللهعليهوسلم رجلا سخّر له الريح ، وكان ذلك في يوم الأربعاء ثالث المحرّم. وأسر
__________________
(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٦ : جلس على سرير الملك رابع عشري ذي القعدة.
(٢) فأعلن حينئذ بموت الصالح ، ولم يكن أحد قبل ذلك يتفوّه بموته. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٦].