الفرنسيس ملك الفرنج ، وحبس مقيّدا بدار ابن لقمان ، ووكل بحفظه طواشي يقال له صبيح. ثمّ نفرت قلوب العسكر من المعظّم لكونه قرّب مماليكه ، وأبعد مماليك أبيه ، فقتلوه في يوم الاثنين سابع (١) عشر المحرّم وداسوه بأرجلهم ، وكانت مملكته شهرين.
قال ابن كثير وقد رئي أبوه الصالح في النوم بعد قتل ابنه ، وهو يقول :
قتلوه شرّ قتله |
|
صار للعالم مثله |
لم يراعوا فيه إلّا |
|
لا ولا من كان قبله |
ستراهم عن قريب |
|
لأقلّ الناس أكله |
فكان كذلك ، وقع بعد ذلك قتال بين المصريين والشاميّين ، وعدم من المصريين طائفة كثيرة.
[شجرة الدر]
واتفقوا بعد قتل المعظّم على تولية شجر (٢) الدرّ أمّ خليل جارية الملك الصالح ، فملّكوها ، وخطب لها على المنابر ، فكان الخطباء يقولون بعد الدعاء للخليفة : واحفظ اللهمّ الجهة الصالحة ملكة المسلمين ، عصمة الدّنيا والدّين ، أمّ خليل المستعصميّة ، صاحبة السلطان الملك الصالح. ونقش اسمها على الدينار والدرهم ، وكانت تعلم على المناشير وتكتب : والدة خليل. ولم يل مصر في الإسلام امرأة قبلها.
ولمّا وليت تكلّم الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام في بعض تصانيفه على ما إذا ابتلي المسلمون بولاية امرأة ، وأرسل الخليفة المستعصم يعاتب أهل مصر في ذلك ويقول : إن كان ما بقي عندكم رجل تولّونه ، فقولوا لنا نرسل إليكم رجلا.
ثم اتّفقت شجر الدّرّ والأمراء على إطلاق الفرنسيس (٣) ، بشرط أن يردّوا دمياط إلى المسلمين ، ويعطوا ثمانمائة ألف دينار عوضا عمّا كان بدمياط من الحواصل ، ويطلقوا أسراء المسلمين. فأطلق على هذا الشّرط ، فلمّا سار إلى بلاده أخذ في الاستعداد والعود إلى دمياط ، فندمت الأمراء على إطلاقه ؛ وقال الصاحب جمال الدين بن مطروح ـ وكتب بها إليه :
__________________
(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٦ : تاسع عشري المحرم سنة ٦٤٨ ه.
(٢) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٧ : شجرة الدرّ الصالحية الملكة عصمة الدين أمّ خليل.
(٣) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٧ : وكانت البحرية قد تسلّمت مدينة دمياط من الملك رواد فرنس بعدما قرر على نفسه أربعمائة ألف دينار.