أين الذي شرف الزمان بفضله |
|
وسمت على الفضلاء تشريفاته؟ |
أين الّذي عنت الفرنج لبأسه |
|
ذلّا ومنها أدركت ثاراته؟ |
أغلال أعناق العدا أسيافه |
|
أطواق أجياد الورى منّاته |
قال العماد وغيره : لم يترك في خزانته من الذهب سوى دينار واحد صوريّ وستة وثلاثين درهما ، ولم يترك دارا ولا عقارا ولا مزرعة ، ولا شيئا من أنواع الأملاك ، وترك سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة واحدة.
وكان متدينا في مأكله ومشربه ومركبه وملبسه ، فلا يلبس إلا القطن والكتّان والصّوف ، وكان يواظب في الجماعة ، ويواظب سماع الحديث ، حتّى أنّه سمع في بعض المصافّات جزءا وهو بين الصّفين ويتبجّح بذلك ، وقال : هذا موقف لم يسمع فيه أحد حديثا.
وبالجملة فمناقبه الحميدة كثيرة لا تستقصى إلا في مجلّدات ، وقد أفرد سيرته بالتصنيف جماعة من العلماء والزّهاد والأدباء ، وكان به عرج في رجله ، فقال فيه ابن عنّين الشاعر :
سلطاننا أعرج وكاتبه |
|
ذو عمش والوزير منحدب |
قال ابن فضل الله في المسالك : ومن غرائب الاتّفاق أنّ الشيخ علم الدين السخاويّ مدح السلطان صلاح الدين ، ومدحه الأديب رشيد الدين الفارقيّ ، وبين وفاتيهما مائة سنة.
وذكر اليافعيّ في روض الرياحين أنّ السلطان صلاح الدين كان من الأولياء الثلاثمائة ، وأنّ السلطان محمودا كان من الأولياء الأربعين.
[مصر بين العزيز والمنصور والأفضل والعادل]
وقام بمصر من بعده ولده الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان ، وكان نائب أبيه بها في حياته مدّة اشتغاله بفتح البلاد الشاميّة ، فاستقلّ بها بعد وفاته ، فسار سيرة حسنة بعفّة عن الفرج والأموال ، حتّى إنه ضاق ما بيده ، ولم يبق في الخزانة لا درهم ولا دينار ، فجاءه رجل يسعى في قضاء الصّعيد بمال فامتنع ، وقال : والله لا بعت دماء المسلمين وأموالهم بملك الأرض. وسعى آخر في قضاء الإسكندريّة بأربعين ألف