دمشق زمان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ، ثمّ مصر من زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب وإلى اليوم.
وإذ اعتبرت أحوال البلاد تجد السعادة قد نظرت هذه مرّة ، ثمّ تلك أخرى كما قال الشاعر :
وإذا نظرت إلى البقاع رأيتها |
|
تشقى كما تشقى الرجال وتسعد |
واعلم أنّ مصر من حين صارت دار الخلافة عظم أمرها ، وكثرت شعائر الإسلام فيها ، وعلت فيهما السنّة ، وعفت منها البدعة ، وصارت محلّ سكن العلماء ، ومحطّ رحال الفضلاء ، وهذا سرّ من أسرار الله أودعه في الخلافة النبويّة حيث ما كانت يكون معها الإيمان والكتاب ، كما أخرج ........... (١).
دلّ هذا الحديث على أنّ الإيمان والعلم يكونان مع الخلافة أينما كانت ، فكانا أوّلا بالمدينة زمن الخلفاء الراشدين ، ثمّ انتقلا إلى الشام زمن خلفاء بني أمية ، ثمّ انتقلا إلى بغداد زمن خلفاء بني العباس ، ثم انتقلا إلى مصر حين سكنها خلفاء بني العباس ؛ ولا يظنّ أن ذلك بسبب الملوك ، فقد كانت ملوك بني أيّوب أجلّ قدرا ، وأعظم خطرا من ملوك جاءت بعدهم بكثير ، ولم تكن مصر في زمنهم كبغداد ، وفي أقطار الأرض الآن من الملوك من هو أشدّ بأسا ، وأكثر جندا من ملوك مصر ، كالعجم والعراق والروم والهند والمغرب ، وليس الدّين قائما ببلادهم كقيامه بمصر ، ولا شعائر للإسلام في أقطارهم ظاهرة كظهورها في مصر ، ولا نشرت السنّة والحديث والعلم فيها كما في مصر ، بل البدع عندهم فاشية ، والفلسفة بينهم مشهورة ، والسنّة والأحاديث دائرة والمعاصي والخمور واللّواط متكاثرة.
ذكر سلاطين مصر الذين فوض إليهم خلفاء مصر العبّاسيون
فاستبدوا بالأمر دونهم
أوّلهم الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس البندقداريّ (٢). ولما فوّض إليه
__________________
(١) بياض في المصدر.
(٢) الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٨.