محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفيّ ، أنّه أدرك بجامع عمرو قبل الوباء الكائن في سنة تسع وأربعين وسبعمائة بضعا وأربعين حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه (١).
جامع أحمد بن طولون
هذا الجامع موضعه يعرف بجبل يشكر ، قال ابن عبد الظاهر : وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء ، وقيل : إنّ موسى عليه الصلاة والسلام ناجى ربّه عليه بكلمات.
وابتدأ في بناء هذا الجامع (٢) الأمير أبو العباس أحمد بن طولون بعد بنائه القطائع ، وهي مدينة بناها ما بين سفح الجبل حيث القلعة الآن ، وبين الكبارة وما بين كوم الجارح وقناطر السباع ؛ فهذه كانت القطائع.
وكان ابتداء بنائه في سنة ثلاث وستّين ومائتين ، وفرغ منه سنة ست (٣) وستين [ومائتين] ، وبلغت النفقة عليه في بنائه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار. وقيل : إنه قال : أريد أن أبني بناء إن احترقت مصر بقي ، وإن غرقت بقي ، فقيل : يبنى بالجير والرّماد والآجرّ الأحمر ، ولا تجعل فيه أساطين رخام ، فإنّه لا صبر له على النّار ؛ فبنى هذا البناء ، فلمّا كمل بناؤه أمر بأن يعمل دائرة منطقه عنبر معجون ليفوح ريحها على المصلّين ، وأشعر الناس بالصلاة فيه ، فلم يجتمع فيه أحد ، وظنّوا أنّه بناه من مال حرام ، فخطب فيه ، وحلف أنّه ما بنى هذا المسجد بشيء من ماله ، وإنّما بناه بكنز ظفر به ، وإنّ العشار الذي نصبه على منارته وجده في الكنز.
فصلّ الناس فيه ، وسألوه أن يوسّع قبلته ، فذكر أنّ المهندسين اختلفوا في تحرير قبلته ، فرأى في المنام النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو يقول : يا أحمد ، ابن قبلة هذا الجامع على هذا الموضع ؛ وخطّ له في الأرض صورة ما يعمل. فلمّا كان الفجر مضى مسرعا إلى ذلك الموضع ؛ فوجد صورة القبلة في الأرض مصوّرة ، فبنى المحراب عليها ، ولا يسعه أن يوسّع فيه لأجل ذلك ، فعظم شأن الجامع ، وسألوه أن يزيد فيه زيادة ، فزاد فيه.
قال الخطيب : ركب أحمد بن طولون يوما يتصيّد بمصر ، فغاصت قوائم فرسه (٤) في الرمل ، فأمر بكشف ذلك الموضع ، فظهر له كنز فيه ألف ألف دينار ، فأنفقها في
__________________
(١) انظر المرجع السابق.
(٢) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٥ : سنة ثلاث وستين ومائتين.
(٣) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٦ : خمس وستين ومائتين.
(٤) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٧ : ساخت في الأرض يد فرس بعض غلمانه وهو رمل فسقط الغلام في الرمل.