ذكر مزايا النيل
قال التّيفاشيّ : اتّفق العلماء على أنّ النّيل أشرف الأنهار في الأرض لأسباب :
عموم نفعه ، فإنه لا يعلم نهر من الأنهار في جميع الأرض المعمورة يسقي ما يسقيه النيل.
ومنها الاكتفاء بسقيه ، فإنه يزرع عليه بعد نضوبه ، ثمّ لا يسقى الزرع حتّى يبلغ منتهاه ؛ ولا يعلم ذلك في نهر سواه.
ومنها أنّ ماءه أصحّ المياه وأعدلها وأعذبها وأفضلها.
ومنها مخالفته لجميع أنهار الأرض في خصال هي منافع فيه ، ومنضارّ في غيره.
ومنها أنّه يزيد عند نقص سائر المياه ، وينقص عند زيادتها (١) ؛ وذلك أوان الحاجة إليه.
ومنها أنّه يأتي أرض مصر في أوان اشتداد القيظ والحرّ ويبس الهواء وجفاف الأرض ، فيبلّ الأرض ، ويرطب الهواء ، ويعدّل الفصل تعديلا زائدا.
ومنها أنّ كلّ نهر من الأنهار العظام ، وإن كان فيه منافع ، فلا بدّ أن يتبعها مضارّ في أوان طغيانه بإفساد ما يليه ونقص ما يجاوره ، والنيل موزون على ديار مصر بوزن معلوم ، وتقدير مرسوم لا يزيد عليه ، ولا يخرج عن حدّه (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام : ٩٦].
ومنها أنّ المعهود في سائر الأنهار أن يأتي من جهة المشرق إلى المغرب ، وهو يأتي من جهة المغرب إلى الشمال ، فيكون فعل الشمس فيه دائما ، وأثرها في إصلاحه متّصلا ملازما ؛ وفي ذلك يقول الشاعر :
مصر ، ومصر ماؤها (٢) عجيب |
|
ونهرها يجري به الجنوب |
ومنها أنّ كلّ الأنهار يوقف على منبعه وأصله ، والنّيل لا يوقف له على أصل منبع. وليس في الدّنيا نهر يصبّ في بحر الصين والروم وغيره ؛ وليس في الدّنيا نهر يزيد ثمّ يقف ، ثمّ ينقص ثمّ ينضب على الترتيب والتدريج غيره ؛ وليس في الدّنيا نهر
__________________
(١) في مروج الذهب : ١ / ٣٧٦.
(٢) في مروج الذهب للمسعودي : ١ / ٣٧٧ : شأنها.