والمقدّمة والنتيجة للكتاب الحجليّ في منطق الطير ، وهي من حملة الكتاب الّذي إذا وصل القارئ منه إلى الفتح يتهلّل لحبّه الخير ؛ إن يصدر البازي بغير علم فكم جمعت بين طرفي كتاب ، وإن سالت العقبان على بديع السّجع أحجمت عن ردّ الجواب.
رعت النسور بقوّة جيف الفلا |
|
ورعى الذّباب الشهد وهو ضعيف |
ما قدمت إلا وأرتنا من شمائلها اللطيفة نعم القادمة ، وأظهرت لنا من خوافيها ما كانت له خير كاتمة. كم أهدت من مخلبها وهي غادية رائحة ، وكم حنت إليها الجوارح وهي أدام الله إطلاقها عزّ جارحة ، وكم أدارت من كؤوس السجع ما هو أرقّ من قهوة الإنشاء ، وأبهج على زهر المنثور من صبح الأعشى. وكم عامت بحور الفضاء ولم تحفل بموج الجبال ، وكم جاءت ببشارة وخضبت الكف من تلك الأنملة قلامة الهلال ، وكم زاحمت النجوم بالمناكب حتّى ظفرت بكلّ كفّ خضيب ، وانحدرت كأنّها دمعة سقطت على خدّ الشقيق لأمر مريب ، وكم لمع في أصيل الشمس خضاب كفّها الوضّاح ، فصارت بسموّها وفرط البهجة كمشكاة فيها مصباح. والله تعالى يديم بأفنان أبوابه العالية ألحان السواجع ، ولا برح تغريدها مطربا بين البادئ والراجع.
ذكر عادة المملكة في الخلع والزيّ
قال ابن فضل الله : وأمّا القضاة والعلماء فخلعهم (١) من الصوف بغير طراز ، فلهم الطّرحة ، وأصل الصوف أن يكون أبيض وتحته أخضر.
وأما زيّ القضاة والعلماء فدلق (٢) متّسع بغير تفريق ، فتحته على كتفه ، وشاش كبير منه ذؤابة بين الكتفين ، ويميلها إلى الكتف الأيسر.
وأما من دون هؤلاء فالفرجيّة (٣) الطويلة الكمّ بغير تفريج ، وأما زاهدهم فيقصّر الذؤابة ويميلها إلى الكتف الأيسر. ومنهم من يلبس الطّيلسان (٤).
وأما قاضي القضاة الشافعيّ رضي الله تعالى عنه ، فرسمه الطّرحة (٥) ، وبها يمتاز ومراكبهم البغل ، ويعمل بدلا من الكنبوش (٦) الزناريّ ، وهو من الجوخ بالعباء المجوّفة الصدر مستدير من وراء الكفل.
__________________
(١) في الجوهر الثمين : ١ / ٢٦٦ : الخلعة فرجية سوداء مزركشة مع عمامة سوداء وطوق ذهب وقيد ذهب وسيف بداوي.
(٢) الدلق : لباس من الصوف.
(٣) الفرجية : قباء شق من خلفه.
(٤) الطيلسان : كساء أخضر يلبسه الخواص من المشايخ والعلماء وهو من لباس العجم.
(٥) الطرحة : غطاء للرأس مستطيل.
(٦) في حواشي السلوك : ١ / ٣٥٢ : الكنبوش : اللثام.