الأوّل سنة خمس وخمسين ، وأقيم بعده ولده عليّ ولقّب المنصور ، وعمره نحو خمس عشرة سنة ، فأقام سنتين وثمانية أشهر ، وفي أيامه أخذ التتار بغداد ، وقتل الخليفة.
[الملك المظفر سيف الدين قطز]
ثم إنّ الأمير سيف الدين قطز مملوك المعزّ قبض على المنصور ، واعتقله في أواخر ذي القعدة سنة سبع وخمسين ؛ وتملّك مكانه ، ولقّب بالملك المظفّر بعد أن جمع الأمراء والعلماء والأعيان ، وأفتوا بأنّ المنصور صبيّ (١) لا يصلح للملك ، لا سيّما في هذا الزمان الصعب الذي يحتاج إلى ملك شهم مطاع لأجل إقامة الجهاد ، والتتار قد وصلوا البلاد الشاميّة ، وجاء أهلها إلى مصر يطلبون النّجدة ؛ وأراد قطز أن يأخذ من الناس شيئا ليستعين به على قتالهم ؛ فجمع العلماء ، فحضر الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام فقال : لا يجوز أن يؤخذ من الرعيّة شيء حتّى لا يبقى في بيت المال شيء ، وتبيعوا مالكم من الحوائص والآلات ، ويقتصر كلّ منكم على فرسه وسلاحه ، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة. وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا. ولم يكن قطز هذا مرقوق الأصل ، ولا من أولاد الكفر.
فقال الجزريّ في تاريخه : كان قطز في رقّ ابن الزعيم ، فضربه أستاذه فبكى ، فقيل له : تبكي من لطمة؟! فقال : إنّما أبكي من لعنة أبي وجدّي ، وهما خير منه ، فقيل : من أبوك! واحد كافر. قال : ما أنا إلّا مسلم ، أنا محمود بن مودود بن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك.
وخرج المظفّر بالجيوش في شعبان سنة ثمان وخمسين [وستمائة] متوجّها إلى الشام لقتال التتار وشاويشه (٢) ركن الدين بيبرس البندقداريّ ، فالتقوا هم والتتار عند عين جالوت ، ووقع المصافّ يوم الجمعة خامس عشري رمضان ، فهزم التتار (٣) شرّ هزيمة ، وانتصر المسلمون ولله الحمد ، وجاء كتاب المظفّر إلى دمشق بالنصر ، فطار الناس فرحا ، ثم دخل المظفّر إلى دمشق مؤيّدا منصورا ، فأحبّه الخلق غاية المحبّة ، وقال بعض الشعراء في ذلك :
__________________
(١) في الخطط المقريزية : وكان عمره خمس عشرة سنة.
(٢) لفظة تركية تعني قائد قوات الاستطلاع التي تسير أمام الجند. الأعلاق الخطيرة.
(٣) وكان التتار قد ملكوا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله وخربوا بغداد وديار بكر وحلب. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٨].