ولمّا مات كافور ولّى المصريّون مكانه أبا الفوارس أحمد بن عليّ بن الإخشيد وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، فأقام شهورا حتّى أتى جوهر القائد من المغرب فانتزعها منه.
ذكر أمراء مصر من بني عبيد
لما توفّي كافور الإخشيديّ لم يبق بمصر من تجتمع القلوب عليه ، وأصابهم غلاء شديد أضعفهم ؛ فلمّا بلغ ذلك المعزّ أبا تميم معدّ بن المنصور إسماعيل ، وهو ببلاد إفريقيّة بعث مولى أبيه جوهر (١) ؛ وهو القائد الروميّ ، في مائة ألف مقاتل ، فدخلوا مصر في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ، فهرب أصحاب كافور ، وأخذ جوهر مصر بلا ضربة ولا طعنة ولا ممانعة ، فخطب جوهر للمعزّ يوم الجمعة على منابر الديار المصرية وسائر أعمالها ، وأمر المؤذنين بجامع عمرو وبجامع ابن طولون أن يؤذّنوا بحيّ على خير العمل ، فشقّ ذلك على الناس ، وما استطاعوا له ردّا ، وصبروا لحكم الله ، وشرع في بناء القاهرة والقصرين والجامع الأزهر ، وأرسل بشيرا إلى المعزّ يبشّره بفتح الديار المصرية وإقامة الدعوة له بها ، وطلبه إليها. ففرح المعزّ بذلك ، وامتدحه شاعره محمد بن هانىء (٢) الأندلسي بقصيدة أوّلها :
يقول بنو العبّاس : هل فتحت مصر؟ |
|
فقل لبني العبّاس : قد قضي الأمر |
وابن هانىء هذا قد كفّره غير واحد من العلماء ، منهم القاضي عياض في الشفاء لمبالغاته في مدائحه ، من ذلك قوله في المعزّ :
ما شئت لا ما شاءت الأقدار |
|
فاحكم فأنت الواحد القهّار |
وقوله :
__________________
(١) وهو أبو الحسن جوهر بن عبد الله القائد المعزّي المعروف بالكاتب مولى المعز لدين الله أبي تميم معد العبيدي الفاطمي ، وكان رحيله من إفريقية يوم السبت ١٤ ربيع الأول من سنة ٣٥٨ ه. [الكامل لابن الأثير : ٧ / ٣١].
(٢) ولد بإشبيلية ، وشيّع المعزّ إلى الديار المصرية. وجد مخنوقا بتكّة سراويله في سانية من سواني برقة يوم الأربعاء الثالث والعشرين من رجب من سنة ٣٦٢ ه وعمره ست وثلاثون أو اثنتان وأربعون سنة. [شذرات الذهب : ٣ / ٤٢].