فمات أنوجور ، وقام بعده أخوه عليّ ، فاستمرّ إلى أن مات سنة خمس وخمسين ؛ فاستقرّت المملكة باسم كافور يدعى له على المنابر بالبلاد المصرية والشاميّة والحجاز ، فأقام سنتين وأربعة أشهر ، ومات بمصر في جمادى الأولى سنة سبع (١) وخمسين. قال الذهبيّ : كان كافور خصيّا حبشيّا ، اشتراه الإخشيد من بعض أهل مصر بثمانية عشر دينارا ثمّ تقدّم عنده لعقله ورأيه إلى أن صار من كبار القوّاد ، ثم لمّا مات أستاذه كان أتابك (٢) ولده أنوجور ، وكان صبيّا ؛ فغلب كافور على الأمور ، وصار الاسم للولد ، والدّست لكافور ، ثمّ استقلّ بالأمر ، ولم يبلغ أحد من الخصيان ما بلغ كافور ومؤنس المظفّريّ الذي ولي سلطنة العراق ، ومدحه المتنبيّ بقوله :
قواصد كافور توارك غيره |
|
ومن قصد البحر استقلّ السواقيا |
فجاءت بنا إنسان عين زمانه |
|
وخلّت بياضا خلفها ومآقيا |
وهجاه بقوله :
من علّم الأسود المخصيّ مكرمة |
|
أقومه البيض أم آباؤه الصّيد؟ |
وذاك أنّ الفحول البيض عاجزة |
|
عن الجميل ، فكيف الخصية السّود!! |
وقال محمد بن عبد الملك الهمدانيّ : كان بمصر واعظ يقصّ على الناس ، فقال يوما في قصصه : انظروا إلى هوان الدنيا على الله تعالى ، فإنّه أعطاها لمقصوصين ضعيفين : ابن بويه ببغداد وهو أشلّ ، وكافور عندنا بمصر وهو خصيّ ؛ فرفعوا إليه قوله وظنّوا أنّه يعاقبه ، فتقدّم له بخلعة ومائة دينار ، وقال : لم يقل هذا إلّا لجفائي له ، فكان الواعظ يقول بعد ذلك في قصصه : ما أنجب من ولد حام إلّا ثلاثة : لقمان ، وبلال المؤذّن ، وكافور.
وقال أبو جعفر مسلم بن عبد الله بن طاهر العلويّ : كنت أساير كافور يوما ، وهو في موكب خفيف ، فسقطت مقرعته من يده ، فبادرت بالنزول ، وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه ، فقال : أيّها الشريف ؛ أعوذ بالله من بلوغ الغاية ، ما ظننت أنّ الزمان يبلغني حتّى يفعل بي هذا ـ وكاد يبكي ـ أنا صنيعة الأستاذ ، ووليّه ، فلمّا بلغ باب داره ودّعته وسرت ، فإذا أنا بالبغال والجنائب بمراكبها ، وقال أصحابه : أمر الأستاذ بحمل هذا إليك ، وكان ثمنها يزيد على خمسة عشر ألف دينار.
__________________
(١) في الكامل لابن الأثير ٧ / ٢٤ : سنة ٣٥٦ ه.
(٢) في صبح الأعشى ٤ / ١٨ أتابك : مربي الأمير ومدبر المملكة وأمير أمراء الجيش.