نور الدين أرسل إلى الخليفة المستضيء يعلمه بذلك ، فزيّنت بغداد ، وغلّقت الأسواق وعملت القباب ، وفرح المسلمون فرحا شديدا ، قال ابن الجوزيّ : وقد ألّفت في ذلك كتابا سميته : «النصر على مصر». وكتب العماد الكاتب عن السلطان صلاح الدين إلى الملك نور الدين يبشّره بذلك :
قد خطبنا للمستضيء بمصر |
|
نائب المصطفى إمام العصر |
في أبيات ذكرتها في تاريخ الخلفاء.
وقال بعض شعراء بغداد في ذلك :
ليهنك يا مولاي فتح تتابعت |
|
إليك به خوص الرّكائب توجف |
أخذت به مصرا وقد حال دونها |
|
من الشّرك ناس في لها الحقّ تقذف |
فعادت بحمد الله باسم إمامنا |
|
تتيه على كلّ البلاد وتشرف |
ولا غرو أن ذلّت ليوسف مصره |
|
وكانت إلى عليائه تتشوّف |
تملّكها من قبضة الكفر يوسف |
|
وخلّصها من عصبة الرفض يوسف |
كشفت بها عن آل هاشم سيّئا |
|
وعارا أبى إلّا بسيف يكشف |
وهي طويلة.
قال أبو شامة : أنشدت هذه القصيدة للخليفة قبل موته ، عند تأويل منام رئي في هذا المعنى ، وأراد بيوسف الثاني الخليفة المستنجد ، فلم يخطب إلّا لولده المستضيء ، فجرى الفأل باسم الملك النّاصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب ، وأرسل الخليفة المستضيء بأمر الله إلى الملك صلاح الدين خلعة سنيّة ، ومعها أعلام سود ، ولواء معقود ، ففرّقت على الجوامع بالشام وبلاد مصر.
وكتب له تقليدا ؛ وهذه صورته :
كتاب تقليد الخليفة لصلاح الدين
أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين يبدأ بحمد الله الذي يكون لكلّ خطبة قيادا ، ولكلّ أمر مهادا ، ويستزيده من نعمه التي جعلت التقوى لها زادا ، وحمّلته أعباء الخلافة فلم يضعف عنه طوقا ولم يأل فيه اجتهادا ، وصغّرت لديه أمر الدنيا فما تسوّرت له محرابا ولا عرضت عليه جيادا ، وحقّقت فيه قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) [القصص : ٨٣].