ثمّ يصلّي على من أنزلت الملائكة لنصره إمدادا ، وأسري به إلى السماء حتّى ارتقى سبعا شدادا ، وتجلّى له ربّه فلم يزغ منه بصر ولا كذّب فؤادا.
ثمّ من بعده على أسرته الطاهرة التي زكت أوراقا وأعوادا ، وورثت النّور المبين بلادا ، ووصفت بأنّها أحد الثّقلين هداية وإرشادا ؛ وخصوصا عمّة العباس المدعوّ له بأن يحفظ نفسا وأولادا ، وأن تبقى كلمة الخلافة فيهم خالدة لا تخاف دركا ولا تخشى نفادا.
وإذا استوفى العلم مراده من هذه الحمدلة ، وأسند القول فيها عن فصاحته المرسلة فإنه يأخذ في إنشاء هذا التقليد الذي جعله حليفا لقرطاسه ، واستدام سجوده على صفحته حتّى يرفع من رأسه ؛ وليس ذلك إلّا قاضية في وصف المناقب التي كثرت فحسن لها مقام الإكثار ، واشتبه التطويل فيها بالاختصار ، وهي التي لا يفتقر واضعها إلى القول المعاد ، ولم يستوعر سلوك أطوادها ؛ ومن العجب وجود السهل في سلوك الأطواد.
وتلك هي مناقبك أيّها الملك الناصر السيّد الأجلّ الكبير ، العالم العادل المجاهد المرابط صلاح الدين أبو المظفّر يوسف بن أيّوب (١).
والديوان العزيز يتلوها عليك تحدّثا بشكرك ، ويباهي أولياءه تنويها بذكرك ، ويقول : أنت الذي نستكفي فتكون للدّولة سهمها الصائب ، وشهابها الثاقب ، وكنزها الذي تذهب الكنوز وليس بذاهب. وما ضرّها وقد حضرت في نصرتها إذا كان غيرك هو الغائب ؛ فاشكره إذا مساعيك التي أهّلتك لما أهّلتك ، وفضّلتك على الأولياء بما فضّلتك. ولئن شوركت في الولاء بعقيدة الإضمار ، فلم تشارك في عزمك الذي انتصر للدولة فكان له بسطة الانتصار. وفرق بين من أمدّ بقلبه وبين من أمدّ بيده في درجات الإمداد ، وما جعل الله القاعد كالذي قال : لو أمرتنا لضربنا أكبادها إلى برك الغماد.
وقد كفاك من المساعي أنّك كفيت الخلافة أمر منازعيها ، وطمست على الدعوة الكاذبة التي كانت تدّعيها. ولقد مضى عليها زمن ومحراب حقّها محفوف من الباطل بمحرابين ، ورأت ما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من السّوارين اللّذين أولهما كذابين ؛ فبمصر منهما واحد تجري أنهارها من تحته ؛ ودعا الناس إلى عبادة طاغوته وجبته (٢) ، ولعب بالدّين حتى لم يدر يوم جمعته من يوم أحده ولا سبته.
__________________
(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٣ : يوسف بن نجم الدين أيوب أبي الشكر بن شادي بن مروان الكردي من قبيل الروادية أحد بطون الهذبانية من أذربيجان وبلاد الكرج.
(٢) الجبت : الصنم أو السحر الذي لا خير فيه.