أمديرها من حيث دار (١) لطالما |
|
زاحمت تحت ركابه جبريلا |
ثم توجّه المعزّ من المغرب في شوّال سنة إحدى وستين ، فوصل الإسكندرية في شعبان سنة اثنتين وستين ، وتلقّاه أعيان مصر إليها ، فخطب هناك خطبة بليغة ، وجلس قاضي مصر أبو الطّاهر الذّهليّ إلى جنبه ، فسأله : هل رأيت خليفة أفضل منّي؟ فقال : لم أر أحدا من الخلائف سوى أمير المؤمنين ؛ فقال له : أحججت؟ قال : نعم ، قال : وزرت قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : نعم ، قال : وقبر أبي بكر وعمر؟ قال : فتحيّرت ما ذا أقول! ثم نظرت فإذا ابنه قائم مع كبار الأمراء ، فقلت : شغلني عنهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما شغلني أمير المؤمنين عن السلام على وليّ العهد ، ونهضت إليه فسلّمت عليه ، ورجعت فانفسح المجلس إلى غيره ، ثمّ صار من الإسكندرية إلى مصر ، فدخلها في خامس رمضان (٢) ، فنزل بالقصرين ، فكان أوّل حكومة انتهت إليه أنّ امرأة كافور الإخشيديّ تقدّمت إليه ، فذكرت له أنّها كانت أودعت رجلا من اليهود الصوّاغ قباء من لؤلؤ منسوج بالذهب ، وأنّه جحد ذلك ، فاستحضره وقرّره ، فأنكر اليهوديّ ، فأمر أن تفتّش داره ، فوجد القباء قد جعله في جرّة ، ودفنها فيها. فدفعه المعزّ إليها ، فقدّمته إليه ، وعرضته عليه ، فأبى أن يقبله منها ، وردّه عليها ، فاستحسن ذلك منه الحاضرون من مؤمن وكافر ، وسار إليه الحسن بن أحمد القرمطيّ (٣) في جيش كثيف ، وأنشد يقول :
زعمت رجال الغرب أنّي هبتهم |
|
فدمي إذن ما بينهم مطلول |
يا مصر إن لم أسق أرضك من دم |
|
يروي ثراك فلا سقاني النّيل |
والتفّت معه أمير العرب ببلاد الشام ، وهو حسّان بن الجرّاح الطائي في عرب الشام ، لينزعوا مصر منه ، وضعف جيش المعزّ عن مقاومتهم. فراسل حسّان ، ووعده بمائة ألف دينار ، إن هو خذّل بين الناس ، فأرسل إليه ؛ أن ابعث إليّ بما التزمت ، وتعال بمن معك ، فإذا التقينا انهزمت بمن معي. فأرسل إليه المعزّ مائة ألف دينار في أكياس أكثرها زغل ضرب النحاس ، ولبّسه الذهب ، وجعله في أسفل الأكياس ووضع في رؤوس الأكياس الدّنانير الخالصة ، وركب في أثرها بجيشه ، فالتقى النّاس ، فلمّا نشبت الحرب بينهم ، انهزم حسّان بالعرب ، فضعف جانب القرمطيّ ، وقوي عليه المعزّ
__________________
(١) من ديوان ابن هانىء الأندلسي.
(٢) في الكامل لابن الأثير ٧ / ٤٦ : من سنة ٣٦٢ ه.
(٣) في الكامل لابن الأثير ٧ / ٥٤ : في سنة ٣٦٣ ه سار القرامطة ومقدمهم الحسن بن أحمد من الإحساء إلى ديار مصر ، فحصرها.