أبواب البرّ والصّدقات ، وبنى منها الجامع ، وأنفق عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ، وبنى المارستان ، وأنفق عليه ستّين ألف دينار.
وقال صاحب مرآة الزمان : قرأت في تاريخ مصر أن ابن طولون كان لا يعبث قطّ ، وأنّه أخذ يوما درجا من الكاغد (١) ، وجعل يعبث به ، وبقي بعضه في يده ، فعجب الحاضرون فقال : اصنعوا منارة الجامع على هذا المثال ، وهي قائمة اليوم على ذلك. قال : ولما تمّ بناء الجامع رأى ابن طولون في منامه كأنّ الله تجلّى للقصور التي حول الجامع ولم يتجلّ للجامع ، فسأل المعبّرين ، فقالوا : يخرب ما حوله ، ويبقى الجامع قائما وحده. قال : ومن أين لكم هذا؟ قالوا : من قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) [الأعراف : ١٤٣] ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «إذا تجلّى الله لشيء خضع له» ، فكان كما قالوا.
وفي الخطط للمقريزيّ : بنى أحمد بن طولون جامعه على بناء جامع سامرّاء ، وكذلك المنارة ، وبيّضه وحلّقه وفرشه بالحصر العبدانيّة ، وعلّق فيه القناديل المحكمة بالسلاسل النحاس المفرّغة الحسان الطوال ، وحمل إليه صناديق المصاحف ، وكان في وسط صحنه قبّة مشبكة من جميع جوانبها ، وهي مذهّبة على عشرة عمد رخام مفروشة كلّها بالرخام ، وتحت القبّة قصعة رخام سعتها أربعة أذرع ، وسطها فوّارة تفور بالماء ، وكانت على السطح علامات للزوال والسطح بدرابزين ساج ، فاحترق هذا كلّه في ساعة واحدة في ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة ، فلما كان في محرّم سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ؛ أمر العزيز بالله بن المعزّ ببناء فوّارة عوضا عن التي احترقت (٢).
قال المقريزيّ : ولما كمل بناء جامع بن طولون صلّى فيه القاضي بكّار (٣) إماما ، وخطب فيه أبو يعقوب البلخيّ ، وأملى فيه الحديث الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعيّ ، ودفع إليه أحمد بن طولون في ذلك اليوم كيسا فيه ألف دينار (٤). وعمل الربيع كتابا فيما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنّة» ، ودسّ أحمد بن طولون عيونا لسماع ما يقوله النّاس من العيوب في الجامع ، فقال رجل : محرابه صغير ، وقال آخر : ما فيه عمود ، وقال آخر : ليس له ميضأة ، فجمع الناس وقال : أمّا المحراب فإنّي رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد
__________________
(١) الكاغد : القرطاس. (فارسية).
(٢) انظر الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٨.
(٣) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٥ : بكار بن قتيبة القاضي.
(٤) انظر الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٦.