خطّه لي (١) ، وأما العمد فإنّي بنيت هذا الجامع من مال حلال وهو الكنز ، وما كنت لأشوبه بغيره ، وهذه العمد إمّا أن تكون من مسجد أو كنيسة ، فنزّهته عنهما ؛ وأمّا الميضأة ، فها أنا أبنيها خلفه. ثمّ عمل في مؤخّره ميضأة وخزانة شراب فيها ، جمع الأشربة والأدوية ، وعليها خدم ، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث من الحاضرين للصلاة ، وأوقف على الجامع أوقافا كثيرة سوى الرّباع ونحوها ، ولم يتعرّض إلى شيء من أراضي مصر البتّة.
ثم لمّا وقع الغلاء في زمن المستنصر خربت القطائع بأسرها ، وعدم السكن هنالك ، وصار ما حول الجامع خرابا.
وتوالت الأيام على ذلك ، فتشعّث الجامع ، وخرب أكثره ، وصارات المغاربة تنزل فيه بإبلها ومتاعها عندما تقدم الحجّ ، وتمادى الأمر على ذلك.
ثمّ إنّ لاجين لمّا قتل الأشرف خليل بن قلاوون هرب ، فاختفى بمنارة هذا الجامع فنذر إن نجّاه الله من هذه الفتنة ليعمرنّه ، فنجّاه الله ، وتسلطن ، فأمر بتجديده ، وفوّض أموره إلى الأمير علم الدين سنجر الزينيّ (٢) ، فعمره ووقف عليه وقفا ، ورتّب فيه دروس التفسير والحديث والفقه على المذاهب الأربعة والقراءات والطبّ والميقات حتّى جعل من جملة ذلك وقفا على الدّيكة تكون في سطح الجامع في مكان مخصوص بها لأنّها تعين المؤقّتين وتوقظهم في السحر. فلما قرىء كتاب الوقف على السلطان أعجبه كلّ ما فيه إلّا أمر الدّيكة ، فقال : أبطلوا هذا لا تضحكوا النّاس علينا ، فأبطل.
وأوّل من ولي نظره بعد تجديده الأمير علم الدين سنجر العادليّ ، وهو إذا ذاك دوادار السلطان لاجين.
ثمّ ولي نظره قاضي القضاة بدر الدين (٣) بن جماعة ، ثمّ وليه أمير مجلس في أيّام الناصر محمد بن قلاوون ؛ فلما مات وليه قاضي القضاة عزّ الدين بن جماعة. ثمّ ولّاه الناصر للقاضي كريم الدين (٤) ، فجدّد فيه مئذنتين ، فلمّا نكبه السلطان عاد نظره للقاضي الشافعيّ إلى أيام السلطان حسن ، فتولّاه الأمير صرغتمش ؛ وتوفّر في مدّة نظره من مال الوقف مائة ألف درهم فضّة ، وقبض عليه وهي حاصلة ، فباشره قاضي القضاة إلى أيام الأشرف شعبان ، ففوّض نظره إلى الأمير الجاي اليوسفيّ إلى أن غرق ، فتحدّث فيه
__________________
(١) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٧ : فأصبحت فرأيت النمل قد أطافت بالمكان الذي خطّه لي.
(٢) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٨ : الدواداري.
(٣) انظر الخطط المقريزية : ٢ / ٢٦٩.
(٤) في الخطط المقريزية : كريم الدين الكبير.