الرحمن ؛ ومع هذا فإنّ مركبه صعب لا يستوي على ظهره إلّا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه ، وغلبت لمّة ملكه على لمّة شيطانه. ومن آكد فروضه أن تمحى السّير السّيئة التي طالت مدد أيامها ، ويئس الرّعايا من رفع ظلاماتها فلم يجعلوا أمدا لانحسار ظلامها ؛ تلك السّير هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة ، ولا غنى للأيدي الغنيّة إذا كانت ذا نفوس فقيرة ؛ وكلّما زيدت الأموال الحاصلة منها قدرا ، زادها الله محقا ؛ وقد استمرّت عليها العوائد حتّى ألحقها الظالمون بالحقوق الموجبة فسمّوها حقّا ، ولو أنّ صاحبها أعظم الناس جرما لما أغلظ في عقابه ، ومثلت توبة المرأة الغامدية بمتابه ؛ وهي أشقى ممّن يكون السواد الأعظم له خصما ، ويصبح وهو مطالب بما يعلم وبما لم يحط به علما ؛ وأنت مأمور بأن تأبى هذه الظلامات فتنهى عن إجرائها ، وتلحق أسماءها في المحو بإهمالها ؛ حتّى لا يبقى لها في العيان صورة منظورة ، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة.
وإذا فعلت ذلك كنت أزلت عن الماضي سنّة سوء سنّتها يداه ، وعن الآتي متابعة ظلم وجده طريقا مسلوكا فجرى على بداه ، فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من يضيق به ذراعا ، ونظر إلى الحياة الدنيا بعينها فرآها في الآخرة متاعا. واحمد الله على أن قيّض لك إمام هدى يقف بك على هداك ، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك ؛ وهذه البلاد المنوطة بنظرك تشتمل على أطراف متباعدة ، وتفتقر في سياستها إلى أيد متساعدة ؛ ولهذا يكثر بها قضاة الأحكام وأولو تدابيرات السيوف والأقلام ؛ وكلّ من هؤلاء ينبغي أن يفتن على نار الاختبار ، ويسلّط عليه شاهد عدل من أمانة الدرهم والدينار فما أضلّ الناس شيء كحبّ المال الذي فورقت من أجله الأديان ، وهجرت بسببه الأولاد والإخوان ؛ وكثيرا ما يرى الرّجل الصائم القائم وهو عابد له عبادة الأوثان ؛ فإذا استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك ، فاضرب عليه بالأرصاد ، ولا ترض بما عرفته من مبدأ حاله فإنّ الأحوال تنقل بنقل الأجساد. وإيّاك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطاب بالربيع بن زياد.
وكذلك نأمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم بأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر محاسبين ؛ ويعلموا أنّ ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الغالبين ، وليبدءوا أوّلا بأنفسهم فيعدلوها عن هواها ، ويأمروها بما يأمرون به سواها ، ولا يكونوا ممّن هدى إلى طريق البرّ وهو عنها حائد ، وانتصب لطبّ المرضى وهو محتاج إلى طبيب وعائد ؛ فما تنزل بركات السماء إلّا على من خاف مقام ربّه ، وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه ؛ فإذا صلحت الولاة صلحت الرعيّة بصلاحهم ؛ وهم لهم بمنزلة المصابيح ، ولا يتضيء كلّ قوم إلّا بمصباحهم. وممّا يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخوانا في