إن سلطة الحكومة العثمانية لم ترتكز من قبل ولا ترتكز في الوقت الحاضر إلا على القوة المسلحة ، ولا تتبدى إلا في النقاط التي ترابط فيها القوات المسلحة. وهذا يعني أن الأتراك لا يملكون غير المدن وكذلك ، بنحو ما ، الطريق بين مكة وجدّة ، التي تحميها مخافر متعددة ، ولكن سلطتهم في هذه النقاط أيضا لا تحظى بالمكانة اللازمة ، الأمر الذي تبيّنه الأحداث التي وقعت مؤخرا ؛ فمنذ زهاء عشر سنوات قتلت عبدة في المدينة المنورة سيدتها ؛ وحكمت المحكمة التركية على القاتلة بالسجن ، ولكن سكان المدينة طالبوا بإعدامها فورا ، مهددين بالهجوم المسلح إذا لم يلّب طلبهم. تراجعت السلطات ، وتم إعدام القاتلة على الفور. وفي سنة ١٨٩٥ جرى في مكة أمام عيون السلطات هدم بناية يكرهها السكان ومعدة للاستعمال كمحجر صحي.
في غضون أربعة قرون من امتلاك الحجاز لم يقم الاتراك اية صلات بينهم وبين السكان المحليين ولم يستطيعوا أن يهدئوهم ولم يكن لهم عليهم أي تأثير ثقافي. والعلاقات بي الطرفين لا تزال علاقات عداء وعدم ثقة ؛ فإن الاتراك يعتبرون البدو كلابا ؛ في حين أن البدو يعتبرون الاتراك كفارا غير مؤمنين. وجميع الاتراك الذين تسنى لي أن اتحدث معهم كانوا يضمرون خوفا وكرها خاصا حيال البدو ، وكانوا يحذرونني في كل حال انه يجب التخوف جدّا من هؤلاء البرابرة. وعندما رحلت الطوابير العثمانية المرابطة في مكة إلى اليمن ، قال الجنود بشماتة كبيرة أنهم يذهبون لضرب العرب.
كانت السلطات الادارية تتميز في أغلبية الأحوال بأعمال الابتزاز والاضطهاد ؛ أما أعمال العساكر ، فقد كانت على الدوام في منتهى الميوعة والتردد ، ولذا لا يكّن البدو حيالها ما يلزم من الخوف والاحترام. وبين حوادث السنة الجارية (١٨٩٨) ، يمكن التنويه بالهجوم في شهر أيار (مايو) من قبل عدد غير كبير نسبيّا من البدو على قسم من