الرديف من ٨٠٠ فرد كان في طريقه من المدينة المنورة إلى ينبع ، وبالهجوم في تموز (يوليو) على خفر قوى كان يرافق قافلة في الطريق بين مكة والطائف ، علما بأن ضابطين و ١٦ جنديّا لقوا مصرعهم. والأحداث من هذا النوع ، كما يقولون ، تحدث على الدوام ، ولا تثير دهشة أحد ، ولا تستتبع اية تحقيقات وعقوبات. ولكن ، في السنتين الأخيرتين ، كما يقول الجميع ، تفاقمت كثيرا أعمال النهب والسلب والاغتصاب من كل شاكلة وطراز ؛ ومرد ذلك ، كما يفسرون ، من جهة ، الوضع الاقتصادي الشاق الذي يعانيه الرحل من جراء إنعدام المطر ، ومن جهة أخرى ، عدم دفع السلطات المحلية لبعض من أشد القبائل إضطرابا وإزعاجا الإعانات المالية المتفق عليها. ولتأمين سلامة حركة القوافل في ربوع الحجاز لجأت الحكومة التركية من قبل إلى بسط الحماية المسلحة على الطرق الكبيرة في أخطر الإنحاء وإلى مرافقة القوافل بخفر قوى. ولكن منذ سنة ١٨٦٤ لم يبق هذا الإجراء ساري المفعول إلا في طريق أشد إنتعاشا ، هو طريق مكة ـ جدّة ؛ وعلى العموم تم تطبيق نظام آخر عنيت به دفع إعانات مالية لبعض القبائل لكي تمرر القوافل بلا عائق في أراضيها.
في عهد بعض من الحكام الاتراك هدأ الحجاز نوعا ما وساده نظام نسبي ؛ وقد ترك عثمان باشا الذي حكم هذه الولاية من سنة ١٨٨١ إلى سنة ١٨٨٧ ذكرى طيبة خاصة. فإن هذا الأداري المحترم قد ساق الماء إلى جدّة وبنى خطوط الاتصال البرقي بين هذا المرفأ ومكة ، وأشاع بعض النظام في شوارع مكة ، وحسّن الحالة الصحية في منى ، وما إلى ذلك. وفي عهده ، كما يروي سكان المدينة ، كان بوسع السكان أن يسافروا بجرأة بين مكة والمدينة المنورة على جملين أو ثلاثة دون أن يتجرأ أحد على مسهم. «كان البدوي على استعداد لذبح جمله الأخيرة في حال وصول عثمان باشا» ، «كان والدنا». هكذا يقول الرجل. ولكن هذا الرجل الذي كان يحترمه الجميع بالقدر نفسه والذي تميز بطبع صلب