المسودّة والمتفسخة ؛ فأن الحجاج الذين اعدوا لأنفسهم اللحم المقدد ، قصّوا كيفما اتفق الأقسام اللينة ، ومرموا الباقي ليعترئ نظرا لوفرة اللحم. وكانت هناك بضع جيف منتفخة لخرفان بكاملها. وجميع الأماكن قرب الأسيجة كانت مغطاة بالبراز البشري ؛ وفي كل مكان ، نفايات مختلفة وزبالة رهيبة ؛ وفي كل مكان رائحة نتنة لا تطاق ، وبخاصة في جوار المراحيض العامة التي لم يطمروها بأي شيء. وقرب الحفر ، ما وراء منى ، آلاف من المواشي المذبوحة التي قد بدأت تتفسخ وتتعفن ؛ وقرب تلك الحفر التي قد امتلأت وطمروها ، تتناثر مختلف البقايا من الجيف. تلاقيت مع طبيب من الأطباء طاف راكبا في مكان ذبح الأضاحي وأمر بطمر الحفر. وقد أفادني أن احد الحجاج احيل إلى المحاكمة لأنه ذبح الخروف قرب خيمته ، رغم أن الكثيرين ، نظرا لنقص الرقابة هنا ، يذبحون خفية في أماكنهم لكي لا يمضوا بعيدا ولا يرتبكون البتة من الرائحة النتنة التي تنتشر فيما بعد ؛ وعلى العموم ، ينظر الحجاج بأغلبيتهم إلى هذا الطلب البسيط ـ ذبح الأضاحي في المكان المعين فقط ـ كما إلى تضييق نافل تماما ؛ ولو لا القسر ، لرجعوا فورا بلا ريب إلى النظم القديمة ولطفقوا يذبحون الخرفان ويتركونها تتفسخ كما من قبل بين الخيام. ونحو مساء ذلك اليوم ، زرت بضعة من الأحواش التي ذكرتها آنفا. والحجاج يفضلونها نوعا ما ، لأنهم يغلقون الأبواب في الليل ويجدون أنفسهم بالتالي في بعض الأمان من اللصوص الذين يتجمع عدد كبير جدّا منهم في منى أملا في الاتزاز السهل (وخاصة في حال نشوب الأوبئة ، حين يعكفون بكل حرية على السلب والنهب). ولكن ، نظرا للاسيجة والأبواب المغلقة ، ولشدة الضيق بين الخيام المنصوبة ، ولإنشاء المراحيض قربها بالذات ، ولوجود الجمال ، ينشأ هناك جو مرهق جدّا. ومن الأفضل بكثير نصب الخيام فيما وراء منى ، حيث المكان أرحب وأنظف إلى ما لا قياس له.