ينقسم حجاجنا إلى قسمين ، القسم الأول يتألف عادة من الشيوخ ، وهم أناس ذوو ثقافة ضعيفة جدّا ، ينظرون بلا مبالاة وبلا مشاركة إلى كل ما يحيط بهم ، ولا يبتغون غير الهدف النهائي من السفرة ، وينفذون على العمياء شعائر الحج بما فيها أقل التفاصيل ؛ وهم يرون حتى في عمليات النهب والسلب التي يقوم بها البدو سرا يستحيل فهمه ومكيدة من الشيطان للحيلولة دون إداء الشعائر المقدسة ، ويعتبرون جميع التدابير الصحية أمرا غير ضروري إطلاقا ، لأنه لا ملاذ على كل حال من القضاء والقدر ، وما إلى ذلك. وإذا سألهم أحد بعد العودة من الحج عما رأوه أثناء الرحلة ، فليس بمقدورهم أن يفيدوا شيئا غير بعض الحكايات والخرافات التي سمعوها في الطريق عن مختلف المعجزات. وبعد العودة إلى البيت ، يتحلون ببالغ التصوّف والتقوى ، هذا إذا لم يكونوا كذلك من قبل ، وغالبا ما يكرسون بقية العمر للصلاة بوجه الحصر ، ويتجنبون الشؤون والهموم الدنيوية.
أما الآخرون ، وعددهم يتزايد سنة بعد سنة ، فهم أناس أكثر تطورا ، وذوو اهتمامات متنوعة ، ويحللون ويفكرون ، ولهم معيار معين. ومنذ أوليالخطوات بالذات بعد الخروج من روسيا ، ينفسح أمامهم مجال غني وشيق لأجل المراقبة والمقارنة. في البدء تتملكهم خيبة أمل مرة في عاصمة الخلافة ـ أي في القسطنطينية التي يعتبرها مسلمونا ضربا من العجائب. فإن الشوارع الضيقة والقذرة ، والبيوت الرديئة ، وانعدام النظام ، كل هذا يحمل على المقارنة عن غير قصد مع اوديسا المجاورة التي ينطلق منها حجاجنا في أغلب الأحوال. ثم يتعرف حجاجنا على عمليات استحصال جوازات السفر وعلى النظم التركية وعلى الرشوة السائدة في كل مكان ، ويغادرون القسطنطينية بتصور مغاير تماما. وبعد ذلك يتسنى لهم أن يسمعوا ويروا حقارة البواخر التركية التي غالبا ما تحدث لها أحداث غريبة ، كنفاد احتياطي الفحم في وسط البحر ، أو