التوقف أسابيع عند مدخل قناة السويس بسبب عدم دفع النقود المتوجبة عن المرور ، ورفض تقديم الفحم لها في المرافئ ، والخ .. وفي الحجاز ينذهلون لكون البدو ، أبناء موطن النبي ، ينهبون في قلب الإسلام اخوانهم في الدين القادمين ببالغ الصعوبة لاداء الشعائر المقدسة التي ينص عليها دينهم الحنيف ؛ وتذهلهم كذلك جرأة عمليات النهب هذه ووقاحتها وغياب كل عقاب عليها ووقوعها في وضح النهار وبحضور الجنود الاتراك ؛ ويدهشون لما تبديه السلطات من لا مبالاة تامة ومن انعدام كل تعاطف واهتمام بمصائر الحجاج. ويعجبون بالغ العجب حين يرون من جانب سكان الحجاز الأصليين الذين اعتادوا في الوطن اعتبارهم قديسين أو يكاد ، موقفا طائشا من إداء شعائر الدين الأساسية وهيمنة المصالح النقدية بنظرهم على جميع المصالح والاهتمامات الأخرى. ويبدو لهم من الغريب جدّا انعدام النظام والنظافة في «أم القرى» وفي «مدينة النبي» بالذات ، ولا يطيب لهم البتة غياب السكون والإجلال في المساجد بالذات ، وقرب الكعبة المقدسة ، وعند قبر النبي (صلىاللهعليهوسلم) ؛ ويتسنى لهم أن يسمعوا عن ارتشاء الشريف ، وعن استئثاره بالاعلانات المالية المقررة لبعض قبائل البدو ؛ ومن جراء ذلك يضطر الحجاج التعساء إلى الدفع من جيوبهم وصحتهم.
لا يجوز ولا يمكن أن ننكر أن الحج يساهم في رفع الشعور الديني نوعا ما ؛ فإن قسما من الحجاج من الفئة الثانية يغيرون حياتهم الروحية كثيرا بعد عودتهم إلى الوطن ، ويحاولون التقيد بقواعد الدين بمزيد من الدقة ، ويؤمنون أنهم قد تخلصوا من الخطايا السابقة ، ويحادلون عدم تفويت مواعيد الصلاة والصيام في السمتقبل ، وتجنب الأشياء الممنوعة ، كالخمر مثلا ؛ والبعض يحرم نفسه حتى المتع البريئة كالمسرح أو السيرك. ولكن يمكن القول قطعا على العموم أن حجاجنا جميعهم تقريبا يعودون إلى الوطن بنظرات تغيرت كثيرا ، وأكثر نضوجا وتبصرا ،