وبموقف أوعى من وضع الأمور السياسي ؛ فإن تلك الصبغة التي كانوا بتصورون بها من قبل تركيا الإسلامية ورأسها الخليفة تزول تماما.
تبدو الإشارة إلى أن أغلبية حجاجنا يتصرفون بعد العودة ببالغ التمالك بين أبناء شعبهم فيما يتعلق بانتقاد ما رأوه لاعتبارهم انه من غير اللائق التنديد بالبلدان الإسلامية والأماكن المقدسة ، ولعدم رغبتهم في إثارة شتى الملامات ؛ وإذا ما تحدثوا ، ففي وسط الناس القريبين منهم فقط.
لقد اثارت اهتمامي بنحو خاص مسألة ما إذا كان للحج في الظرف الراهن شأن سياسي ما من حيث تقارب المسلمين من مختلف القوميات ؛ ولكن الحج في مكة ، باقتناعي الصادق ، وعلى الأقل في الظرف الراهن ونظرا لوضع الشعوب الإسلامية الحالي لا يؤدي إلى تقارب ، بل أن فكرة مثل هذا التقارب نفسها لا وجود لها. وفضلا عن الماليزيين وعن سكان الهند الغريبين تماما عن سائر الحجاج من حيث اللغة ومن حيث الأصل ، وعن سكان إيران المنعزلين بالخلاف الديني ، ينعزل الحجاج من جميع القوميات الأخرى بعضهم عن بعض بكل شدة ، ويعاملون بعضهم بعضا. إن أوضاع الحج نفسها ، أي الفريضة ذات الطابع الديني الصرف ، والقصيرة جدّا والمتسرعة جدّا ، والحافلة بالهرج والمرج ، والادراك العام لوجود الخطر مثل نشوب وباء للتو ـ كل هذا لا يساعد في ظهور هذه الفكرة ولا يدفع إلى القيام بالمظاهرات السياسية. وعند الجميع فكرة واحدة فقط ـ انجاز الشعائر بأسرع وقت ، والتفوق بأسرع وقت.
إن التجمع في مكة لا يزال يحتفظ بالنسبة لسكان الحجاز وحدهم دون غيرهم ببعض الأهمية السياسية الداخلية إلى جانب الأهمية الدينية والتجارية ؛ فهنا يجري التصالح بين مختلف القبائل المتعادية ، ويدفعون الفدية عن الدم ، والخ ...