الأمر الرباني عن الحج ... غريب! الشبان والشيوخ ، دون تمييز في الجنس أو اللقب ، الجميع رغبوا في لمس الحجاج الذين نزل عليهم غبار المدينة أو مكة المقدسة. احكموا على دهشتي حين اندفعت نساء رائعات الجمال وحتى فتيات إلى معانقتي! لقد تملكنا التعب والعذاب من جراء مظاهر الاحترام هذه». ثم جاء : «أما في بوابة خوى ، فقد استقبلنا بضعة اتقياء من سكان خوى وقدموا لنا الفواكه المجففة والخبز. من زمان بعيد لم يتوافد إلى خوى مثل هذه الكثرة من الحجاج. كان الجميع ينظرون إلينا بدهشة ؛ ومن جميع الجوانب كانت تصل إلى مسامعنا هتافات : «أهلا وسهلا! آه ، أنت صقري! أنت أسدي!». وقد تأثرت بالغ التأثر حين اندفع الناس يبوسون يدي وقدمي ـ أجل! ـ والشراريب المتدلية من حزامي». وحين غادر الحجاج خوي ، «تراكض كثيرون من السكان وراءنا حوالي نصف ميل : كانت مشاعر التقوى تثير الدموع من عيونهم ؛ وقد سمعنا هتافاتهم اليائسة : «من يعرف متى تسعد خوى مرة أخرى من إيواء مثل هذا العدد من الرجال الاتقياء ضمن جدرانها» (١).
نحو أواخر القرن التاسع عشر ، تكونت ثلاثة طرق رئيسية لحج الحجاج من رعايا روسيا (٢).
١ ـ في منطقة ما وراء القفقاس (أرمينيا وأذربيجان وجورجيا) والقسم الشمالي من إيران عبر كرمنشاه ومدينة خانقين الواقعة قرب الحدود مع تركيا ، في اتجاه بغداد ، نحو كربلاء والنجف ، ثم عبر رمال الجزيرة العربية إلى مكة والمدينة.
٢ ـ عبر سمرقند وبخاري ومزارى شريف وكابول وبيشاوار في أفغانستان ومن ثم إلى بومباي (الهند) ، ومنها بحرا إلى جدّة وينبع.
__________________
(١) أ. فامبيري. رحلة في ربوع آسيا الوسطى. سانت بطرسبورغ ، ١٨٦٥ ؛ ٢٥ ، ٦٥ ، ٧٧.
(٢) ياروف ـ رافسكي. الحج ، ١٦. دولتشين. تقرير. ٩٠ ، ١٢٠.