فقط قيد الحياة. بقي الحجاج في منى بحكم العادة ثلاثة أيام ؛ وعندما وصلوا فيما بعد إلى مكة ، كان الوباء هناك أيضا على أشده. قمنا ببالغ السرعة بالطواف والسعي ، وانطلقنا في الطريق إلى جدة ، وكانت الطريق مزروعة بجثث الحجاج الموتى ؛ وفي جدة كان المرض قد سبقنا إليها. رحنا بالباخرة المنطلقة إلى السويس. آنذاك لم تكن المحاجر الصحية قائمة ؛ والباخرة التي كانت تكتظ بالركاب فرغت كثيرا في آخر الرحلة. في السويس لم يسمحوا لنا بالنزول إلى المدينة بل اركبونا في القطار وأرسلونا إلى الاسكندرية ؛ وهنا نقلونا بالطريقة نفسها إلى باخرة راسية في المكلأ. وأثناء مواصلة السفر ، ظلوا يرمون في البحر كل يوم بضع عشرات من الموتى ؛ ولكن المرض ، على ما يبدو ، أخذ يضعف ، وحدثت حالات نقاهة وشفاء. بعد زهاء ١٠ أيام من وصولنا إلى القسطنطينية بدأ الوباء في هذه المدينة أيضا».
إن وباء الكوليرا الذي نشب سنة ١٨٦٥ وعمّ فيما بعد أوروبا بأسرها لفت الانتباه أخيرا إلى الحجاز ؛ وفي ١٣ شباك (فبراير) ١٨٦٦ انعقد في القسطنطينية مؤتمر قرر فيما قرر وجوب طمر جيف الخرفان المذبوحة في مني في حفر.
وبين الأوبئة التي نشبت فيما بعد ، تميز وباء سنة ١٨٨٣ ، بنسبة خارقة العلو من لاوفيات ، وذلك حين وقع الحج يوم الجمعة أيضا (١٢ تشرين الأول ـ أكتوبر).
جميع التواريخ المذكورة ألاه تحققت من صحتها في القاهرة بموجب المصادر الرسمية ؛ أما الاشارات اللاحقة إلى السنوات ، فإنها لا ترتكز إلى على أحاديث أشخاص مختلفين ، متناقضة أحيانا كثيرة ، رغم أن الماضي غير بعيد جدّا. ولكن سكان الحجاز يرون هذه البلايا مرارا وتكرارا إلى حد أنهم لا يتذكرون منها غير الرهيبة والجائحة. وحسب