وفي دمشق تعرّفت على تتري من قازان يعيش ويشتغل هنا من زمان بعيد. وقد رحت معه إلى جبل واقع قرب المدينة يدلون منه على المكان الذي قتل فيه قايين اخاه هابيل. ثم زرنا قبر ولي مسلم يحكون عنه ما يلي.
منذ سنوات عديدة جدّا دفن إمام دمشقي شخصا غير معروف كان يعيش في دمشق. وحين طمروا الجثة بالتراب ، طرح الإمام على الحاضرين السؤال العادي : هل كان المتوفي طيبا. الجميع ذكروه بالخير وتمنوا له المملكة السماوية (الجنة) ، ولكن واحدا منهم قال عن المتوفي الكثير من السوء. في هذه الأثناء اطلت من القبر قدم بسرعة البرق. لم تكن للدهشة حدود بالطبع ، الجميع آمنوا بقداسة المتوفي ، وبنوا فوق رفاته ضريحا لائقا لا يزال يزوره إلى الآن كثيرون من المسلمين.
وانقضت سنوات عديدة. ذات مرة زار باشا تركي عجوز القبر ، وكان يشك ، نظرا للقدم المطلة ، في أن تبقى الجثة مئات السنين. حفروا القبر فتصاعد منه نور ساطع. رأى الباشا وجميع من معه بأم عيونهم جثة الرجل المقدس ، وندموا زمنا طويلا جدّا ، مرددين الصلوات الحارة. وبعد هذا ، لم يطمروا القبر من جديد بل غطوه بالقطن تاركين القدم في وضعها السابق. وأنا رأيتها بأم العين ، وعجبت كثيرا بالطبع ، بنما الفرنسي الواقف بقربي هز رأسه دليل الشك.
في أوائل نيسان (ابريل) عدنا من دمشق إلى بيروت ؛ وفي اليوم نفسه انطلقنا إلى يافا ومنها إلى القدس. من يافا إلى القدستوجد سكة حديدية هي ملك شركة فرنسية. السكة تمتد طوال الوقت كله تقريبا في الجبل والقسم الأخير منها في فج ضيق وعميق.
في القدس أمضينا أسبوعا بكامله ، وشاهدنا الأماكن المقدسة وصلينا في مسجد عمر وفي المسجد الأقصى.