«كاستاخانة» بل «كاسابخانة» (١) ؛ وكل من كان يدخله كانوا يعبرونع على كل حال ميتا. وعندما أخذ بعض المرضى يشفون بعد تحسين الخدمة الصحية في المحجر الصحي ، تعجب الجميع من ذلك بوصفه ظاهرة غير عادية.
كذلك وقعت حوادث طريفة. كان معنا اثنان من تتر القرم. مرض أحدهما فوضعوه في المستشفى. وبما أن رفيقه كان على يقين بانه لا مخرج من المستشفى غير مخرج واحد هو الطريق إلى القبر ، وبما انه افترض أن رفيقه لم يعد بحاجة إلى أمواله ، فقد أقام ضربا من بيع بالمزاد العلني وباع كل امتعته ؛ ولكن المريض ، لما فيه دهشة رفيقه ، شفي بعد ١٣ يوما وخرج من المستشفى ووجد أن كل امتعته انتقلت إلى أناس آخرين ، وبقي بدون أي لباس تقريبا.
ويوما بعد يوم أخذ يتزايد عدد الذين يشفون ، ويقل عدد الذين يمرضون ، وأخيرا اعتبروا أن الحال الصحية العامة لركاب «عبد القدير» مرضية تماما ، فاطلقوا سراحنا من المحجر الصحي. وإجمالا بقينا في المحجر الصحي في بيروت ٤٣ يوما. وعلى امتداد كل هذه الحقبة من الزمن كان المعدمون يحصلون على الطعام مجانا ، وأن يكن شحيحا جدّا : في اليوم رغيفان صغيران من عجين القمح وقطعة متناهية الصغر من الجبنة المالحة جدّا.
أقلعت الباخرة السيئة الحظ «عبد القدير» من بيروت في ١٥ أيلول (سبتمبر) ، وكان لا بد لها أن تخضع في اورله ، بجوار أزمير ، لحجر صحي آخر مدته يومان. وهنا انزلت قسما من ركابها ، قرابة خمسمئة شخص ، ثم تابعت سفرها. وفي الدردنيل جرى فحص الركاب ، الأمر الذي تسبب بوقفة غير طويلة. وأخيرا ، بعد كثرة من المحن ، وصلنا في
__________________
(*) كاستاخانة» تعني مستشفى. «كاسابخانة» تعني مسلخ.