ينبغي بالطبع تقديم الهدايا فيما بعد. وفي هذا يتلخص بالضبط كل مغزى مجاملة ارسال الأطعمة إلى المسافر القادم. ولا اثر البتة للضيافة في كل هذا ، بل مجرد أمل في الحصول مقابل الطعام على ما يوازي سعر المآكل مثلين أو ثلاثة أمثال على الأقل. وصاحب البيت الذي نزلت فيه ، سلطانوف ، بوصفه رجلا محنكا وتاجرا ، كان يقيّم كل طعام بعناية ودقة ، مطبقا أسعار السوق المحلية ، وكان يحدد ثمن الغداء بمبلغ يتراوح بين مجيديتين وثلاث مجيديات. وبما أن العملة التركية ، المجيدية ، توازي بالعملة الروسية روبلا و ٦٠ كوبيكا ، تعيّن علىّ أن أدفع مبالغ لا يستهان بها مع إضافة الفائدة ، لقاء مجاملة الأدلة وبشاشتهم وضيافتهم ، خصوصا وأنهم كانوا يرسلون إلىّ زهاء عشرة غداءات ، ومنها كنت احتاج مع عائلتي إلى غداء واحد فقط ، ولذا صرفت النافل كله على تضييف مواطني وغيرهم من الضيوف القادمين لزيارتي. وفي عداد الضيوف كان كبير الأدلة في مدينة مكة ، واسمه محمد علي. وفجأة أخذ يتكلم معي بالروسية لما فيه دهشتي. وقد تبين انه اعتقل حين تجوب في ربوع أقليم تركستان بدون جواز سفر وأمضى أكثر من سنتين في سجن مدينة طشقند بانتظار نتيجة المراسلات بشأنه ؛ وفي السجن تعلم اللغة الروسية. فيا للقاءات الغربية التي تحدث أحيانا! ..
كانت شقتي تقع في القسم الجنوبي الشرقي من المدينة ، وكانت واجهتها تطل على ساحة كبيرة نسبيّا. وبالمقابل ، في الجانب الآخر من الساحة ، كانت شقة والي مكة حسن حلمي باشا. ومن الجانب الأيسر كانت تقع ثكنات الجنود الاتراك ، ومن الجانب اليمن ، بعد بضعة بيوت ، كانت تقع صيدلية حكومية بقربها روضة صغيرة كان الضابط الأتراك والأفراد المدنيون يتنزهون عادة في الأمسيات. كانت شقة الوالي تلاصق الجبل من جانبها الخلفي ، وكان الجبل يعلو ، على الأقل ، زهاء ٥٠ ساجنا فوق سطح هذا المبنى الثلاثي الطوابق. وعلى الجبل كانت تنتصب