أو هو أعظمها ، رأيت به نحو مائة جنك كبار ، وأما الصغار فلا تحصى كثرة ، وهو خور كبير من البحر يدخل في البر حتى يختلط بالنّهر الأعظم.
وهذه (٥٤) المدينة وجميع بلاد الصين يكون للإنسان بها البستان والأرض ، وداره في وسطها كمثل ما هي بلدة سجلماسة ببلادنا (٥٥)! وبهذا عظمت بلادهم ، والمسلمون ساكنون بمدينة على حدة. وفي يوم وصولي إليها رأيت بها الامير الذي توجه إلى الهند رسولا بالهدية ، ومضى في صحبتنا وغرق به الجنك ، فسلّم علي وعرف صاحب الديوان بي (٥٦) فأنزلني في منزل حسن ، وجاء إليّ قاضي المسلمين تاج الدين الأردويلي وهو من الأفاضل الكرماء وشيخ الاسلام كمال الدين عبد الله الأصفهاني ، وهو من الصلحاء وجاء إليّ كبار التجار فيهم شرف الدين التبريزي أحد التجار الذين استدنت منهم حين قدومي على الهند وأحسنهم معاملة ، حافظ القرآن مكثر للتلاوة.
وهؤلاء التّجار لسكناهم في بلاد الكفار إذا قدم عليهم المسلم فرحوا به أشد الفرح ، وقالوا : جاء من أرض الإسلام ، وله يعطون زكوات أموالهم فيعود غنيا كواحد منهم.
وكان بها من المشايخ الفضلاء برهان الدين الكازروني ، له زاوية خارج البلد (٥٧) ، وإليه يدفع التجار النذور التي ينذرونها للشيخ أبي إسحاق الكازروني (٥٨) ، ولما عرف صاحب
__________________
(٥٥) الحديث عن المقارنة بين نظام (الفيلات) في الصين وسجلماسة حيث الدار وسط الحديقة يدعونا إلى الالتفات للعلاقات المغربية الصينية ، وهو الموضوع الذي عالجته الندوة التي حضرناها في بيكين في يونيه ١٩٨٨. ذ. رضوان ليولين روى : (جامعة بيكين) العلاقات الصينية المغربية في العصور القديمة ، ـ د. التازي : في العلاقات المغربية الصينية ، هل كانت زيارة ابن بطوطة لبيكين ردا على زيارة وانغ دايوان لطنجة؟ جريدة العلم المغربية ، ٧ غشت ١٩٨٨. ـ التاريخ الدبلوماسي للمغرب ٦ ص ٦٤٧.
(٥٦) نلاحظ أن ابن بطوطة هنا أخذ يستعيد ذكرياته ويتفقد أصحابه فيما يتصل بالمهمة التي عهد بها اليه سلطان الهند لدى ملك الصين ، ويتجلى واضحا أن مدينة الزيتون كانت بالفعل ملتقى دوليا على مضيق طايوان هذا وإن مجموع الشخصيات التي ذكرها ابن بطوطة هنا في مدينة الزيتون (Quanzhou) من أصل فارسي ، هذا وما تزال إلى الآن قرية بضواحي المدينة تحمل اسم قرية الفرس. ونعلم من خلال المصادر التاريخية الصينية بأن المدينة كانت تتوفر على جالية فارسية قوية ، ولذلك فإن اللغة الفارسية بالصين على ذلك العهد كانت سائدة على ما قلناه ، ولا بد أن تستوقفنا هنا كلمة «الديوان» المستعملة في المغرب وخاصة عند الموانىء المفتوحة في وجه المراكب التجارية الأجنبية ـ الكلمة يقال إنها من أصل إيطالي Dogane أو فرنسي Douane ، ويقصد بها مكتب الجمارك (ومن هنا جاءت التوصّية بابن بطوطة!) وقد تحدتثا عن هذه المصطلحات في التاريخ الدبلوماسي للمغرب.
(٥٧) لا بد أن نذكّر هنا بما ورد في (I ، ٣٧ ـ ٣٨) من أن برهان الدين الأعرج قال لابن بطوطة وهو ما يزال بالاسكندرية : أراك تحب السياحة ، فقال نعم ولم يكن حينئذ خطر بخاطره زيارة الهند والصين ، فقال له برهان الدين : لا بد لك ان شاء الله من زيارة أخي فريد الدّين بالهند وآخى ركن الدين زكرياء بالسند وأخي برهان الدين بالصين وإذا بلغتهم فسلم عليهم ... ولم أزل أجول ، يقول ابن بطوطة ، حتى لقيت الثلاثة ...
(٥٨) يعتبر هذا الشيخ عند العامة ممن يتوسل بهم عند الخوف من أخطار البحار كما سلف في الجزءII ، ٩٠ ... على نحو الشيخ اليابري بمدينة الرباط ـ د. التازي مؤتمر يابرة (البرتغال) ١٩٨٢.