الرطل منه أرطالهم بدرهمين ونصف درهم نقرة. فإذا تأملت ذلك تبين لك أن بلاد المغرب أرخص البلاد أسعارا وأكثرها خيرات وأعظمها مرافق فوائد.
ولقد زاد الله بلاد المغرب شرفا إلى شرفها وفضلا إلى فضلها بإمامة مولانا أمير المومنين(١٠٨) الذي مد ظلال الأمن في أقطارها وأطلع شمس العدل في أرجائها وأفاض سحاب الإحسان في باديتها وحاضرتها وطهّرها من المفسدين وأقام بها رسوم الدنيا والدين وأنا أذكر ما عاينته وتحققته من عدله وحلمه وشجاعته واشتغاله بالعلم ، وتفقهه وصدقته الجارية ورفع المظالم.
ذكر بعض فضائل مولانا أيده الله
أما عدله فأشهر من أن يسطر في كتاب ، فمن ذلك جلوسه للمشتكين من رعيته وتخصيصه يوم الجمعة للمساكين منهم ، وتقسيمه ذلك اليوم بين الرجال والنساء ، وتقديمه النساء لضعفهن فتقرأ قصصهنّ بعد صلاة الجمعة إلى العصر ومن وصلت نوبتها نودي باسمها ووقفت بين يديه الكريمتين يكلمها دون واسطة ، فإن كانت متظلمة عجل إنصافها أو طالبة إحسان وقع إسعافها ، ثم إذا صليت العصر قرئت قصص الرجال وفعل مثل ذلك فيها.
ويحضر المجلس الفقهاء والقضاة فيرد اليهم ما تعلق بالاحكام الشرعية ، وهذا شيء لم أر في الملوك من يفعله على هذا التّمام ويظهر فيه مثل هذا العدل ، فان ملك الهند عيّن بعض أمرائه لأخذ القصص من الناس وتلخيصها ورفعها إليه دون حضور أربابها بين يديه! وأما حلمه فقد شاهدت منه العجائب فإنه أيده الله عفا عن الكثير ممن تعرض لقتال عساكره والمخالفة عليه ، وعن أهل الجرائم الكبار التي لا يعفو عن جرائمهم إلا من وثق بربه وعلم علم اليقين معنى قوله تعالى : والعافين عن الناس (١٠٩).
قال ابن جزي : من أعجب ما شاهدته من حلم مولانا أيده الله أني منذ قدومي على بابه الكريم في آخر عام ثلاثة وخمسين (١١٠) إلى هذا العهد وهو أوائل عام سبعة وخمسين
__________________
(١٠٨) يراجع I ، ٥ تعليق ٥.
(١٠٩) القرآن : السورة ٣ ، الآية ١٣٣ ـ ١٣٤.
(١١٠) آخر عام ٧٥٣ يوافق ٥ يبراير ١٣٥٣ ـ وهذه لقطة هامة في حياة ابن جزي سجّلها بنفسه ولم يعتمد فيها على أحد غيره ، إن ما تعرض له من إهانة من قبل ملكه في الأندلس كان اثناء عام ٧٥٣ حيث نجده يتمكن من الالتحاق بالمغرب أواخر العام بعد أن تعرف سلفا على ابن بطوطة لما زار هذا الاخير الديار الأندلسية ...