يحمل الجمل منها لوحين (٧) ، ولا يسكنها إلّا عبيد مسّوفة (٨) الذين يحفرون على الملح ، ويتعيّشون بما يجلب اليهم من تمر درعة (٩) وسجلماسة ، ومن لحوم الجمال ، ومن أنلي (١٠) المجلوب من بلاد السّودان ، ويصل السودان من بلادهم فيحملون منها الملح ، ويباع الحمل منه بايوالّاتن (١١) بعشرة مثاقيل إلى ثمانية (١٢) ، وبمدينة مالي بثلاثين مثقالا إلى عشرين وربّما انتهى إلى اربعين مثقالا.
وبالملح يتصارف السودان كما يتصارف بالذهب والفضة ، يقطعونه قطعا ويتبايعون به. وقرية تغازّى على حقارتها يتعامل فيها بالقناطير المقنطرة من التّبر ، وأقمنا بها عشرة أيام في جهد لان ماءها زعاق وهي أكثر المواضع ذبابا ، ومنها يرفع الماء لدخول الصحراء التي بعدها(١٣) وهي مسيرة عشر لا ماء فيها إلّا في النادر ، ووجدنا نحن بها ماء كثيرا في غدران أبقاها المطر ، ولقد وجدنا في بعض الأيام غديرا بين تلّين من حجارة ماءه عذب فتروّينا منه وغسلنا ثيابنا.
والكمأة بتلك الصّحراء كثيرة ، ويكثر القمل بها ، حتى يجعل الناس في أعناقهم خيوطا فيها الزئبق فيقتلها (١٤)! وكنا في تلك الأيام نتقدم أمام القافلة فإذا وجدنا مكانا ، يصلح
__________________
(٧) نفس الوصف عند البكري ...
Recueil des sources ARABES Concernant l\'Afrique occidentale du VIIIe au XVIe Siecle) Bilad AL ـ Sudan (Trad et notes par Josef n. cuoq Ed. di C. N. R. S. ٥٨٩١ P. ١٩٢.
(٨) مسوفة : قبيلة من صنهاجة ، كان أهلها يعيشون في القرن الخامس الهجري ـ القرن الحادي عشر الميلادي ، كإخوانهم لمتونة بشمال نهر السينغال ، ويعتقد أنهم جاءوا إلى هناك من تندوف حوالي القرن الثاني الهجري الثامن الميلادي ، وهي الفترة التي استولوا فيها على مملحة تغازّى ... وقد انتزعت منهم في القرن اللاحق من لدن البرابيش ... انظر المصدر السابق ص ٢٩٢ تعليق ٥ ـ يراجع ٦٧ ,IV.
(٩) وادي درعة (واددرا) جنوب الأطلس الصغير حيث تنحدر مياهه إلى الوادي ...
(١٠) أنلي :(Pennisetum Typhoideum) نوع مما يعرف تحت اسم Mil أوMillet وقد تقدم ذكره ٢١١ : IV ٠٣١ ٤١٣ ,II
(١١) إيوالّاتن : بربرة للاسم المالينكي (Malinke) ، وكلمة ولّاته تعريب للكلمة المالينكية (والا) بمعنى مكان الظل. ترقّب التعليق الآتي رقم ٢٥.
(١٢) نذكر أن وزن دينار واحد كان يعادل مثقالا واحدا يعني ٥ ، ٤ گرام ذهبي.
(١٣) تذكرني هذه الفقرة من أبن بطوطة فيما عرف في الصحراء باسم (الحوض) فقد كانت هناك ظاهرة صنع السقّائين للأحواض بمختلف الأحجام : يصنعونها من جلود الجواميس كالصهاريج الضخام ، يسقون بها الجمال ويملأون الروايا والقرب ، ولكل أمير حوض يسقى منه جماله. وسواهم من الناس يتفق مع السقائين على سقي جمله وملء قربته بشيء معلوم من المال على نحو ما حكاه ابن بطوطة عن التزود بالماء استعدادا للصحراء المخوّفة بين العلا وتبوك. انظر ٨٥٢ ,I.
(١٤) الكمأة هي (الترفاس) عند المغاربة تعظم عندهم حتى يتخذ فيها الأرنب جحره. «هكذا في البكري ص ١٨٢ ، وقد ورد عند الادريسي التعبير التالي ص ١٠٨ : " وأخبر بعض الثقات من متجولي التجار إلى بلاد السودان أن بمدينة أودغشت ينبت بأرضها بقرب مناقع المياه المتصلة بها كمأة ، يكون في وزن الكمء ثلاثة أرطال وأزيد وهو يجلب إلى أودغشت كثيرا ، يطبخونه مع لحوم الجمال ويأكلونه ويزعمون أن ما على الأرض مثله وقد صدقوا»! هذا وقد استخدم الفيزائيون العرب الزئبق لعلاج أمراض الجلد ويستعملوه مرهما بغرض محاربة الطفيليات الجلدية مثل القمل والصئبان والقراد. القزويني : عجائب المخلوقات القسم الثالث : في الأجسام الذهنية.