ذكر تذلل السودان لملكهم وتتريبهم له وغير ذلك من أحوالهم.
والسودان أعظم الناس تواضعا لملكهم وأشدّهم تذللا ، ويحلفون باسمه فيقولون : منسى سليمان كي (٧٧) ، فإذا دعا بأحدهم عند جلوسه بالقبّة التي ذكرناها نزع المدعو ثيابه، ولبس ثيابا خلقة ونزع عمامته وجعل شاشية وسخة ودخل رافعا ثيابه وسراويله إلى نصف ساقه وتقدم بذلّة ومسكنة وضرب الارض بمرفقيه ضربا شديدا ووقف كالراكع يسمع كلامه!
وإذا كلّم أحدهم السلطان فردّ عليه جوابه كشف ثيابه عن ظهره ورمى بالتراب على رأسه وظهره كما يفعل المغتسل بالماء ، وكنت أعجب منهم كيف لا تعمى أعينهم! وإذا تكلّم السلطان في مجلسه بكلام وضع الحاضرون عمائمهم عن رؤوسهم وأنصتوا للكلام ، وربّما قام أحدهم بين يديه فيذكر أفعاله في خدمته ، ويقول : فعلت كذا يوم كذا ، وقتلت كذا يوم كذا ، فيصدّقه من علم ذلك ، وتصديقهم أن ينزع أحدهم في وتر قوسه! ثم يرسلها كما يفعل إذا رمى (٧٨) ، فإذا قال له السلطان : صدقت أو شكره ، نزع ثيابه وترّب، وذلك عندهم من الأب.
قال ابن جزي : وأخبرني صاحب العلامة (٧٩) الفقيه أبو القاسم بن رضوان أعزه الله أنه لما قدم الحاج موسى الونجراتي رسولا عن منسي سليمان (٨٠) إلى مولانا أبي الحسن
__________________
(٧٧) الكلمة تعني باللغة المالينكية : «الأمر للملك سليمان» ، هذا ويقول ابن خلدون عن سفارة سودانية وصلت لفاس في يوم مشهود" .. وحيّوا السلطان بأن جعلوا يحثون التراب على رؤوسهم على سنّة ملوكهم ..." د. التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ٧ ، ص ٤١.
(٧٨) «... والترجمان يترجم عنهم وهم يصدقونه بالنزع في أوتار قسيّهم على العادة المعروفة لهم ..." ابن خلدون ... وانظر التاريخ الدپلوماسي للمغرب ج ٧ ص ٤١.
(٧٩) من المعلوم أن (صاحب العلامة) يعني الكاتب الخاص الذي يوقّع الرسائل ويجعل علّامة السلطان عليها يراجع التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج I ص ٣٠٠ ـ ٣٠١ ـ ٣٠٢. معرض وزارة الخارجية يوم ٢١ / ٢ / ١٩٩٧.
(٨٠) الإشارة إلى السفارة السودانية بتاريخ ١٣٤٨ ـ ٧٤٨ ه وكانت السفارة السابقة المعروفة بتاريخ ١٣٣٧ ـ ٧٣٧ ، لكنها أي سفارة ١٣٤٨ ... كان عليها ـ لظروف طارئة ـ أن ترسل من لدن منسى ماري زاطا الثاني الذي أضاف إلى الهدايا الزّرافة التي اهتزت لها رحاب مدينة فاس ـ وأبو القاسم هذا هو عبد الله بن يوسف بن رضوان النّجاري الخزرجي من أهل مالقة واشتغل كاتبا لدى عدد من سلاطين بني مرين ، من شعره قصيدة لامية يهنئ فيها أمير المسلمين السلطان أبا الحجاج يوسف ملك الأندلس يهنئه بغلبته للأسطول الحربي بالزقاق الغربي ٧٥٠ ـ ١٣٥٠ عندما هلك الفونسو الحادي عشر ...
ولما استقامت بالزقاق أساطل |
|
له واستقلت للسّعود محافلا |
رآها عدو الله فانقضّ جمعه |
|
وابصر ـ أمواج البحار اساطلا! |
ومن دهش ظنّ السواحل أبحرا |
|
ومن رعب خال البحار سواحلا! |
الإحاطة ـ ابن الخطيب الاحاطة ٣ ، ٤٤٣ ـ السيد عبد العزيز سالم ـ احمد مختار العبادي : تاريخ البحرية الاسلامية في المغرب والاندلس ٢٩٧.
Dr. TAZI la presencia de la poesia en la Historia del Estrecho de Gibraltar SECEGSA ٥٩٩١ ـ p. ٩٦١.