وصارت قاسا تركب كلّ يوم في جواريها وعبيدها وعلى رؤوسهم التّراب ، وتقف عند المشور متنقبة لا يرى وجهها. وأكثر الامراء الكلام في شأنها فجمعهم السلطان في المشور وقال لهم دوغا على لسانه : إنكم قد اكثرتم الكلام في امر قاسا وإنها أذنبت ذنبا كبيرا ثم أوتى بجارية من جواريها مقيّدة مغلولة ، فقيل لها : تكلمي بما عندك فأخبرت أن قاسا بعثتها إلى جاطا ابن عم السلطان الهارب عنه إلى كنبرني (٩٠) ، واستدعته ليخلع السلطان عن ملكه!! وقالت له : أنا وجميع العساكر طوع أمرك ، فلما سمع الامراء ذلك قالوا : إن هذا ذنب كبير وهي تستحق القتل عليه ، فخافت قاسا من ذلك واستجارت بدار الخطيب ، وعادتهم أن يستجيروا هنالك بالمسجد وان لم يتمكن فبدار الخطيب.
وكان السودان يكرهون منسى سليمان لبخله وكان قبله منسى مغا ، وقبل مغا ، منسى موسى (٩١) ، وكان كريما فاضلا يحب البيضان ، ويحسن اليهم وهو الذي أعطى لأبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلاف مثقال (٩٢) ، وأخبرني بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقّوص ثلاثة آلاف مثقال في يوم واحد ، وكان جده سارق جاطة (٩٣) أسلم على يدي جد مدرك هذا.
__________________
(٩٠) لعل القصد إلى ماري جاطا (وليس إلى منسى جاطا) الذي سيبعث (صفر ٧٦٢ ـ يناير ١٣٦١) بسفارة إلى العاهل المغربي أبي سالم. كان من جملة الهدايا التي حملها السّفير الزرافة التي حركت من قريحة الشعراء راجع التعليق ٨٠ ـ كنبرني : لعل القصد إلى كونبرى (Konbere) التي تقع في باندوگو (Bendugu) منطقة وراء وادي باني (BANI).
(٩١) منسى موسى (٧١٢ ـ ١٣٣٧ ـ ١٣١٢ ـ ١٣٣٧) أعظم امبراطور اكتسبته مالّي وقد اشتهر بما انفقه في حجه من أموال : طن ونصف من التبر عام ١٣٢٤ ـ ٧٢٤ ولده منسا مغا الاول (مغا ـ محمد) ـ ١٣٤١ ١٣٣٧ خلفه بيد أن أخا موسى سليمان تغلّب على مغا واستولى على الحكم عام ١٣٤١ ـ ٧٤١.
(٩٢) القصد إلى ابراهيم بن محمد الأنصاري الساحلي المشهور بالطّويجن (تعليق ٧٠) كان أبوه أمين العطارين بغرناطة وقد ترجم له لسان الدين ابن الخطيب في الاحاطة ترجمة واسعة ، وقال عنه : إنه نسيج وحده في الأدب نظما ونثرا ... أنيق الديباجة غزير المادة إلى خطّ بديع ومشاركة في الفنون وكرم من النفس ، رحل بعد أن اشتهر فضله ... ثم دخل بلاد السودان فاتصل بملكها واستوطنها زمانا طويلا ... ثم آب إلى المغرب لكن القدر صرفه إلى مستقره من بلاد السودان ورزق هناك اولادا كالخنافسة ...!! وقد أهدى إلى ملك المغرب هدية فأثا به عليها مالا خطيرا ومدحه بشعر بديع عند دنّو ركابه من ظاهر تلمسان :
خطرت كمياس القنا المتاطّر |
|
ورنت بالحاظ الغزال الأعفر |
وقد ادركه اجله بتنبكتو يوم الاثنين ٢٧ جمادى الثانية ٧٤٧ ـ المقري : النفح ٢ ، ١٩٤ الإحاطة : جl ص ٣٢٩ تحقيق عبد الله عنان ـ يراجع التعليق رقم ٧٠
(٩٣) سارق جاطة : القصد إلى سون دياطا أو ماري دياطا ٦٢٩ ـ ٦٥٣ ـ ١٢٣٠ ـ ١٢٥٥ أول سلطان لمالّي ذكر من لدن المؤرخين وفي بعض المخطوطات ماري جاطة ـ ابن بطوطة يشير إلى ماري جاطا المعروف أكثر بسوندياطا المؤسس الأسطوري لامبراطورية مالّي ـ والواقع أن تاريخ وتسلسل أسرة الحكام بمالي في الفترات الأولى غير مؤكد ... إن والد منسى موسى أبا بكر كان أخا أو ربما ابن أخت لسوندياتا.