المراوح. وأعملوا فيه نبات الوخز غائصة غوص الأذهان ، أخذ من الألسنة الفاتقة رتوق البيان. ترسل خيوطها أسرع من البريق وتغادر الأنامل وكأنّها أفراس رهان تبارت في لا سبق ، عارفة كالأصولي بالجرح إلا أنها جاهلة بالفرق. ضيّقة العيون كالأتراك ، ناحلة الجسوم كالعابدين النسّاك ، إلا أنّها تبيّن لها الخيط الأبيض لا تدين بالإمساك. فالتأمت أجزاؤه أحسن الالتئام ، والتحمت على وفق الإبداع أجمل الالتحام. وتجانست أنحاؤه وتطابقت ، وتناسبت ميامنه ومياسره وتوافقت.
وجمع بشرائطه شرائط الكمال ، واختار من لونه وهو البياض طراز الجمال. وصنعت له عمد مثقفة كالقداح ، موشاة كأثواب الخود الرداح. بأسافلها زجاج حديد كبير الأجرام ، تشقّ الأرض شقّ الغرام قلب المستهام. وتقرّ في الترب كأنها جذور النخل الباسقة ، وعروق الأزرة السامية السامقة.
فتقف تلك العمد متناسقة الصفوف ، جائبة لمعنى في غيرها وزهى الملك منها بصحيفة دلّ على شرف ما فيها عنوانها. ذات الاطناب التي تمتد امتداد أشعة الشمس ، وتحل أوتادها من الأرض محل النفس من الجسم والسر من النفس. قائمة لفارس كإيوان كسرى ، مزدانة بأنواره التي هي أفخر من أنوار البدر وأسرى.
ويتصل بها البيت الأعظم الذي كاد يبلغ الفرقدين ، وتصير ذات العماد منه إلى ذي العمادين. بديع المحاسن جميل المسافر ، بهي المناظر ، زكي المخابر. وسيع مقام الاستضراب ، ممتد شأو الاستنخاب.
وتتّصل به القبّة التي هي ثالثة التعزيز ، وسمة شرف التمييز. ذات الحسن الفائق ، والجمال الرائق. والشكل البديع ، والاستنباط المرضى التأصيل والتفريع.
وبغربي هذه المساكن خيمة الشعر التي أعجز وصفها الشعراء ، وأنست بألوانها وبدائع صنعتها وشي صنعاء. قريبة التداني ، منيفة على أوثق المباني ، مستطيلة الشكل كالفجر الأول ، مستطيرة الذكر المنزّهة عن التداني ، وخلال الأقيال (العياهلة) الذين فازوا من دنياهم بنيل الأماني.
وفي أفراق السعيد من الأخبية والبيوت ما يشابه الكواكب في جمالها وازدحامها ، ويشابه العقود النفائس في حسنها وانتظامها. كل ذلك مما نشأ في مظاهر الإبداع والإتقان ، وصنع في أسعد الأوقات والأزمان. واستفرغ في تنجيده الوسع ، ونعم برؤيته البصر وبوصفه السمع.
وأمام باب أفراق قبّة الجلوس وهي قبّة ليست بالكبيرة إلّا أنّها في غاية الاحتفال ،