القول ، وذهبت إلى داري فخلّصت ممّا علي من الدّين ، وكان قد أعطاني في تلك الايام فرش دار وجهازها من أواني نحاس وسواها وكان يعطيني كلّ ما أطلبه ويحبني ويكرمني ، ولكنه غيّر خاطره وخوّف مني! فلما عرف أني قد خلصت الدين وعزمت على السفر ندم على ما قاله وتلكأ في الإذن لي في السفر ، فحلفت بالأيمان المغلظة أن لا بدّ من سفري ونقلت ما عندي إلى مسجد على البحر وطلّقت إحدى الزوجات وكانت إحداهن حاملا فجعلت لها أجلا تسعة أشهر إن عدت فيها ، وإلا فأمرها بيدها ، وحملت معي زوجتي التي كانت امرأة السلطان شهاب الدين لأسلمها لأبيها بجزيرة ملوك (٢٣٥) ، وزوجتي الأولى التي بنتها أخت السلطانة ، وتوافقت مع الوزير عمر دهرد والوزير حسن ، قائد البحر على أن أمضي إلى بلاد المعبر ، وكان ملكها سلفي (٢٣٦) ، فاتى منها بالعساكر لترجع الجزائر إلى حكمه وأنوب عنه فيها وجعلت بيني وبينهم علامة رفع أعلام بيض في المراكب ، فإذا رأوها ثاروا في البر!!
ولم أكن حدثت نفسي بهذا قط حتى وقع ما وقع من التغيّر ، وكان الوزير خائفا مني، يقول للناس : لا بدّ لهذا أن يأخذ الوزارة ، إما في حياتي أو بعد موتي ، ويكثر السؤال عن حالي ، ويقول : سمعت أن ملك الهند بعث إليه الأموال ليثور بها عليّ ، وكان يخاف من سفري لئلا أتي بالجيوش من بلاد المعبر ، فبعث إليّ أن أقيم حتى يجهز لي مركبا فأبيت ، وشكت أخت السلطانة إليها بسفر أمها معي ، فأرادت منعها فلم تقدر على ذلك! فلما رأت عزمها على السفر قالت لها : إن جميع ما عندك من الحلي هو من مال البندر ، فإن كان لك شهود بأن جلال الدين وهبه لك وإلّا فردّيه! وكان حليا له خطر ، فردّته إليهم ، وأتاني الوزراء والوجوه وأنا بالمسجد وطلبوا مني الرجوع ، فقلت لهم : لو لا أني حلفت لعدت ، فقالوا : تذهب إلى بعض الجزائر ليبرّ قسمك وتعود ، فقلت لهم : نعم ، إرضاء لهم.
فلما كانت اللّيلة التي سافرت فيها أتيت لوداع الوزير فعانقني وبكى حتى قطرت دموعه على قدمي ، وبات تلك اللّيلة يحترس الجزيرة بنفسه خوفا أن يثور عليه أصهاري وأصحابي! ثم سافرت ووصلت إلى جزيرة الوزير عليّ ، فأصابت زوجتي أوجاع عظيمة وأحبت الرجوع ، فطلّقتها وتركتها هنالك ، وكتبت للوزير بذلك لانها أمّ زوجة ولده ، وطلقت التي كنت ضربت لها الأجل ، وبعثت عن جارية كنت أحبها ، وسرنا في تلك الجزائر من إقليم إلى إقليم!!
__________________
(٢٣٥) أنظر التعليق ١٦٤ جول جزيرة MALUKKU.
(٢٣٦) سلفي كما نقول في المغرب سليفي : أي متزوج أخت زوجتي ، هذا وقد كان ابن بطوطة سمّى الوزير حسن باسم سليمان ...