فيها ذاهبا في السماء ، كأنه عمود دخان (٢٤٠) ، ولما وصلناها قال البحرية : إن هذا المرسى ليس في بلاد السلطان الذي يدخل التّجار إلى بلاده آمنين ، إنما هذا مرسى في بلاد السلطان أيري شكروتي ، وهو من العتاة المفسدين ، وله مراكب تقطع في البحر فخفنا أن ننزل بمرساه ، ثم اشتدت الريح فخفنا الغرق ، فقلت للناخودة : أنزلني إلى الساحل وأنا آخذ لك الأمان من هذا السلطان! ففعل ذلك وأنزلني بالساحل ، فأتانا الكفار ، فقالوا : ما أنتم؟ فأخبرتهم أني سلف سلطان المعبر وصاحبه ، جئت لزيارته ، وان الذي في المركب هدية له فذهبوا إلى سلطانهم فاعلموه بذلك فاستدعاني فذهبت له إلى مدينة بطّالة (٢٤١) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة والطاء المهمل وتشديدها ، وهي حضرته مدينة صغيرة حسنة عليها سور خشب وأبراج خشب وجميع سواحلها مملوءة بأعواد القرفة تاتي بها السيول فتجتمع بالساحل كأنها الرّوابي ويحملها أهل المعبر والمليبار دون ثمن إلا أنهم يهدون للسلطان في مقابلة ذلك الثوب ونحوه (٢٤٢)، وبين بلاد المعبر وهذه الجزيرة مسيرة يوم وليلة ، وبها أيضا
__________________
(٢٤٠) جبل سرنديب هو الذي يوجد فيه أثر قدم سيدنا أدم ، وسرنديب هو الاسم العربي الفارسي القديم لسيلان (المأخوذ من أصل سنسكري Sinhala divipa ثم عوّض بكلمة سيلان أو سيلون Ceylon. وقد كانت جزيرة سيلان على ذلك العهد موزعة على عدة مماليك مملكة التأميل في الشمال : مملكة جفنة وتمتد نحو الجنوب والساحل الغربي، و (مملكة سنهاله) التي كانت تتجه نحو وسط الجزيرة ـ أريا شكر فارتي (Arya Chakravarti) الذي يسميه ابن بطوطة : (أيري شكروتي) هو ملك للتاميل عرف عنه الشيء القليل وكان على قيد الحياة عام ٧٦٩ ـ ١٣٦٨ ... وفي تعليق لي بعنوان : (ابن بطوطة في سيريلانكا) بمناسبة حركات التاميل أكدت حضور الرحّالة المغربي في أثناء الاصطدامات التي كانت تنشب بين الفترة والأخرى بين مملكة (جفنة) التأميلية وبين مملكة سنهالة ، وهو ما يؤكد أن مذكرات ابن بطوطة على ما أسلفنا أصبحت حجة لاصول الخلافات الدّولية المطروحة اليوم!!
Vernon L. B. Mendis : Currents Of Asian History / Colombo ١٨٩١ P. ٢٧١ ـ ٢٨١ ـ ٧٣٣.
ـ د. التازي : ابن بطوطة في سيرلانكا ، جريدة العلم المغربية ، ٨ نونبر ١٩٨٨.
(٢٤١) بطّالة ، القصد إلى بوطالام (Puttalam) على الساحل الغربي الشمالي لجزيرة سيلان ... انظر الخريطة ...
(٢٤٢) كانت القرفة المنتوج الأساس الذي تصدره سيلان على ذلك العهد فقد كانت مطلوبة جدا في أوربا وكذلك في بلاد الشرق الاوسط ومن هنا قرأنا عند تتبع التاريخ الدولي للاسلام عن السفارة التي توجه بها العاهل السنهالي بهو فانيكا باهو الاول (BHUVANEKABAHU) (٦٨٣ ه ١٢٨٤ م) إلى ملك مصر للاطمئنان على استمرار تزويد البلاد بهذا المنتوج من مملكة سنهالا. (يلاحظ ذكر اسم ملك مصر محرّفا) ـ مصدر سابق B. Mendis : Currents Of Asian History P. ٢٢٤ Stephane T. III P. ٥٥٢ Note ٢٤٢.