ذكر وصولي إلى السلطان غياث الدين
ولما وصلنا إلى قرب من منزله بعث بعض الحجاب لتلقّينا وكان قاعدا في برج خشب وعادتهم بالهند كلّها أن لا يدخل أحد على السلطان دون خفّ ، ولم يكن عندي خف ، فأعطاني بعض الكفار خفا ، وكان هنالك من المسلمين جماعة فعجبت من كون الكافر كان أتم مروءة منهم! (٢٧٩) ودخلت على السلطان فأمرني بالجلوس ودعا القاضي الحاج صدر الزمان بهاء الدين ، وأنزلني في جواره في ثلاثة من الأخبية ، وهم يسمونها الخيام وبعث بالفرش وبطعامهم ، وهو الأرز واللحم.
وعادتهم هنالك أن يسقوا اللبن الرائب على الطعام كما يفعل ببلادنا ، ثم اجتمعت به بعد ذلك ، وألقيت له أمر جزائر ذيبة المهل وأن يبعث الجيش اليها فأخذ في ذلك بالعزم وعيّن المراكب لذلك ، وعين الهدية لسلطانتها والخلع للوزراء والأمراء والعطايا لهم وفوض إليّ في عقد نكاح مريم (٢٨٠) أخت السّلطانة وأمر بوسق ثلاثة مراكب بالصدقة لفقراء الجزائر ، وقال لي يكون رجوعك بعد خمسة أيام ، فقال له قائد البحر خواجة سرلك : لا يمكن السفر إلى الجزائر إلّا بعد ثلاثة أشهر من الآن ، فقال لي السلطان : أما إذا كان الأمر هكذا فامض إلى فتّن حتى(٢٨١) حتى نقضي هذه الحركة ونعود إلى حضرتنا مترة (٢٨٢) ومنها تكون الحركة فأقمت معه بخلال ما بعثت عن الجواري والأصحاب.
__________________
(٢٧٩) ذكرني هذا يوم ١٣ / ٥ / ١٩٦٣ وقد طلب الوزير أحمد بلافريج من مولاي الأمين ابن زيدان أن يعيرني طربوشه لأتسلم أوراق اعتمادي سفيرا إلى بغداد وكنت أنسيته ، أي الطربوش!
(٢٨٠) عوض (مريم) توجد كلمة (جميع) في النسخ الباريزية جميعها ، وفي مخطوطة تونسية كذلك ولا نرى لها معنى ظاهرا ، والصواب ما ورد في مخطوطة مولاي العباس (الخزانة الملكية ، رقم ٣٠٣٠ ص ٦١٢) ، وما ورد في مخطوطة (الخزانة العامة رقم ٢٣٩٩) والوارد فيهما كلمة (مريم) وهو بالفعل اسم أخت السلطانة التي تعرف أيضا باسم (Radafati) ، راجع التعليق رقم ٢٠٦ سالف الذكر.
(٢٨١) نظرا لوفرة المواقع التي تحمل اسم فتّن (بيطّنام Patano) فإنه من الصعب أن يحدد المرء موقع فتّن هذه ، وإن الميناء الرئيسي للمعبر حتى بداية القرن الرابع عشر كان هو كافيريبطنام (Kaveripattanam) الواقع على أحد أطراف وادي كافيري (Kaveri) ، وقد هدم بفعل طوفان وقع على هذا العهد ، يتعلق الأمر إما بهذه المدينة أو بمدينة ناگابّاتّنام (Nagappattinam) الواقعة أكثر إلى الجنوب أنظر الخريطة ـ راجع التعليق ٢٧٥. ـ ويستغرب السير گيب من عدم ذكر ابن بطوطة لميناء كايل Kayal (ماركوبولو : كايل (Cail) الذي يقع جنوب توتيكورين (Tuticorin) والذي كان أهم محطة تجارية على ذلك العهد ـ أنظر الخريطة.
(٢٨٢) حول مترة التي تحمل في الخرائط اسم (Madura) راجع التعليق ٢٧٥ والتعليق ٢٨١ وقد قلنا أن افادات ابن بطوطة عن هذه المملكة ، ولو أنها لم تعمر طويلا ، كانت افادات أصيلة ...