قال : فسكت الشاميّ.
فقال أبو عبد الله للشاميّ : « مالك لا تتكلم ؟ ».
قال الشاميّ : إن قلت : لم نختلف كذبت ، وإن قلت : إنّ الكتاب السنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ، لأنهّما يحتملان الوجوه ، وإن قلت : قد اختلفنا وكلّ واحد منّا يدّعي الحقّ ، فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنّة إلاّ أنّ لي عليه هذه الحجّة (١).
أجل ، لابدّ من قائم بأمر القرآن وهاد للاُمّة إلى مقاصده وحقائقه ، لكي لا تضلّ الاُمّة ولا تشذّ عن صراطه المستقيم.
وهذا الهادي الذي يجب أن يقرن الله به كتابه هو من عناه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله الذي تواتر نقله بين السنّة والشيعة.
فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب ... إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٢).
وروي هكذا أيضاً : « إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي : الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ألاّ وأنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٣).
فقد صرح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعدم افتراق الكتاب والعترة ، وهذا دليل على علمهم بالكتاب علماً وافياً وعدم مخالفتهم له قولاً وعملاً.
كما أنّه جعلهما خليفتين بعده ، وذلك يقتضي ، وجوب التمسك بهم كالقرآن
__________________
(١) الكافي ١ : ١٧٢.
(٢ و ٣) رواه أحمد بن حنبل في مسنده ٥ : ١٨٢ و ١٨٩ ، والحاكم في مستدركه ٣ : ١٠٩ ، ومسلم في صحيحه ٧ : ١٢٢ ، والترمذيّ في سننه ٢ : ٣٠٧ ، والدارميّ في سننه ٢ : ٤٣٢ ، والنسائيّ في خصائصه : ٣٠ ، وابن سعد في طبقاته ٤ : ٨ ، والجزريّ في اسد الغابة ٢ : ١٢ ، وغيرها من كتب المسانيد والتفاسير والسير والتواريخ واللغة من الفريقين.
وقد أفرد دار التقريب رسالةً ذكر فيها مسانيد الحديث ومتونه ونشره عام ١٣٧٥ ه.